حوارات و تقارير

البطل الذي قلب موازين حرب البوسنة وقاد المسلمين نحو النصر

بين عامي 1992 و1995 عاشت البوسنة والهرسك واحدة من أعنف الحروب في تاريخها المعاصر، حيث ارتكب الصرب مجازر مروعة ضد المسلمين، في وقت كانت فيه أوروبا وأمريكا والأمم المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار، رفض الصرب كل الدعوات الدولية واستمروا في جرائمهم، لكن الموقف تغير فجأة بعد أيام قليلة عندما وجد العالم أنهم قبلوا بكل الشروط المفروضة عليهم.

السبب وراء هذا التحول كان ظهور قوة عسكرية منظمة شكلها المسلمون للدفاع عن أنفسهم، حيث أنشأوا فيلقا مسلحا يضم مقاتلين مدربين ومؤمنين بالتضحية في سبيل الله، وتولى قيادته البطل البوسني عاطف دوداكوفيتش.

قاد دوداكوفيتش الفيلق الخامس الذي انضم إليه الكثير من المقاتلين العرب والأعاجم، وخاض معارك كبرى ضد الميليشيات الصربية، فألحق بها خسائر ضخمة وحرر مناطق واسعة من البوسنة حتى اقترب من عاصمة الصرب، كما أن هذا التقدم قلب الموازين لصالح المسلمين وجعل أوروبا وحلف الناتو يتدخلان بقوة، حيث قصف الحلف قوات الفيلق عدة مرات لإيقاف تقدمه، لكن المحاولات لم تحقق أهدافها.

عندما شعرت أوروبا بخطر سقوط الصرب وانهيار يوغسلافيا لصالح المسلمين، فرضت اتفاقية دايتون عام 1995 لوقف زحف الفيلق الخامس الذي كان على بعد ثمانية كيلومترات فقط من العاصمة الصربية، لولا هذا التدخل الأوروبي لكانت خريطة البلقان تغيرت تماما وأصبحت البوسنة في موقع قوة مختلف.

بفضل عمليات الفيلق الخامس تمكن دوداكوفيتش ورجاله من تحرير عشرات الآلاف من المعتقلين المسلمين، بينهم النساء والأطفال والشيوخ، بعد أن وضع شرطا أساسيا للإفراج عن باقي الأسرى مقابل وقف التقدم نحو العاصمة، و هذه الانتصارات أثبتت أن الحق لا يعيش إلا بقوة تحميه وجيش يدافع عنه، وأن الحرب لم تتوقف برغبة أمريكا أو أوروبا، بل توقفت لأن المسلمين أعادوا تنظيم صفوفهم وبدأت الكفة تميل لصالحهم.

تدرج عاطف دوداكوفيتش في المناصب العسكرية حتى وصل إلى رتبة جنرال ثم رئيس أركان الجيش البوسني وأخيرا القائد العام للقوات المسلحة، ليصبح رمزا من رموز النضال في البوسنة، ومع ذلك واجه اتهامات سياسية في عام 2018، حيث اعتقل مع 16 من رفاقه رغم أنه لم يقتل أي مدني صربي، ووقف دوداكوفيتش أمام المحكمة وأكد أنه غير مذنب وأن جميع الأدلة المفبركة تهدف لتشويه تاريخه.

خرج المسلمون في سراييفو ورفعوا لافتات كتبوا عليها أن هؤلاء هم الأبطال وليسوا المجرمين، ليعبروا عن وفائهم لرجل قاد جيشا عظيما غير مجرى الأحداث وحمى البوسنة من السقوط، وفي النهاية أفرجت السلطات عن دوداكوفيتش بعد تقييد حركته، لكن اسمه ظل محفورا في ذاكرة البوسنيين كأحد أعظم من دافع عنهم في أصعب مراحل تاريخهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى