حوارات و تقارير

الأصداف والقواقع في المأثور الشعبي الإماراتي

حاتم عبدالهادى السيد
 
تمثل القواقع والأصداف جانباً مهماً في المأثور الشعبي في دولة الإمارات؛وترجع تلك الأهمية لإرتباط التاريخ الإماراتي بالبحر طوال عصورالتاريخ القديمة؛ أي ما قبل ظهور النفط والإنفتاح الإماراتي بشكل متسع على العالم.
 
وعلى الرغم من ارتباط الإمارات بالبحر كإحدى وسائل المعيشة الاقتصادية آنذاك ؛ إلا أن الإماراتيون اهتموا بالصناعات البحرية بصورة مباشرة؛ واعتمدوا على البحر في تكوين ثرواتهم من صيد اللؤلؤ؛ وصناعة السفن؛ وصيد الأسمالك والقواقع والمحارات؛ وجمع الأصداف الجميلة التى يلقيها البحر على الشاطىء والإستفادة منها إقتصادياً لرفع معيشة السكان هناك .
 
ومع كل هذا الاهتمام بالصناعات البحرية؛ إلا أن المحارات والقواقع قد حظيت بكل الإهتمام بإعتبارها احدى الوجبات الغذائية المهمة؛ وغالية الثمن والقيمة ؛ وظلت الأصداف تجمه بقصد الزينة؛ وتتزيين المنازل؛ واستخدتم بعضها في الطقوس والعلاج بحسب المعتقد الطبى للعلاج عن طريق ” زلف البحر وخرزه ” ؛ عصنعوا منها العقود والأساور والتمائم التى تقيهم من شر العين؛ وترفع عنهم الحسن؛ وتجلب البهجة ؛ كما استخدمتها النساء والفتيات لتزيين جدران البيوت وواجهات المنازل؛ وانتقاء الأصداف الكبيرة الجميلة وتلوينها لنوع من التحف بغرض الزينة أيضاً .
 
وفى كتابه : ( القواقع والأصداف في التراث الشعبى الإماراتي ) لمؤلفه / خالد بن سليمان بن جميع الهنداسى ؛ والصادر – حدبثاً – عن معهد الشارقة للتراث 2012م؛ نلحظ تلك الأهمية السامقة للأصداف والقواقع باعتبارها من الموروثات الشعبية التى تم الإهتمام بها في العصور القديمة؛ وحتى فترات قريبة قبل مرحلة النفط الحالية واتجاه الإمارات إلى الحياة الحديقة.
 
وغدت تلك الموضوعات من التراث الشعبى الذى كاد أن يندثر؛ لذا فإن توثيق هذا الموروث بعد أحد أولويات الكتاب؛ ومعهد جمهة الماجد؛ وغيرها من المؤسسات التى تم انشاؤها في عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومن سبقه قبل ذلك من أمراء ورؤساء الإمارات السابقين ؛ والحاليين كذلك .
 
لقد نجح المؤلف / خالد الهنداسى في هذا الكتاب في كشف الكثير عن عالم الأصداف والقواقع؛ حيث أوضح لنا – عبر أبواب الكتاب – أهمية تلك الموروثات وانعكاساتها عبر الماضى؛ واسهاماتها حالياً من خلال المعارض والمتاحف في توثيق تراث الإمارات ؛ والتوضيح للأجيال الناشئة كفاح وعظمة الأجداد في بناء الإمارات والنهوض بها منذ القدم وحتى وقتنا الحاضر .
 
كما يتعرض الكتاب لأهمية الأصداف والقواقع بإعتبارها قيمة تراثية وغذائية ؛ مبيناً أهميتها وفوائدها الطبية والعلاجية ؛ و مدى دخولها في صنع الأدوية؛ وفى استخداماتها كحرف ترفع من الدخل الإقتصادى للأسر؛ وتعلى من قيم الموروث كأحد المصادر العظيمة التى نستقى منها تاريخ الإمارات القديم ؛ ونستشرف أفقاً معاصراً لصناعات ناشئة تضيف إلى موارد الدولة اقتصادياً؛ وتعلى من الجانب السياحى والإستثمارى بما تحققه من جودة؛ وبتعطش واقبال المواطن الإماراتى والسائحين وزوار الإمارات للإقبال على التحف التى غدت تصنعها الفتيات وورش الحرف البحرية كنوع من تراث الزينة والحلى الجميلة؛ مع تطعيم تلك الأصداف والقواقع بالأحجار الكريمة والخرز الملون لصنع القلائد والأساور وعمل لوحات تشكيلية بيئية غاية في الجمال والروعة كذلك .
 
ولعل الكتاب الذى بين أيدينا للهنداسي يكشف القيم والعادات والتقاليد التى يعكسها عالم الإمارات البحرى ؛ كما يمكن اعتباره – أول كتاب علمى تراثي في الإمارات العربية وفى منطقة الخليج العربى – الذي يتخصص في الأصداف والقواقع المرتبطة بالموروث الشعبى الإماراتي.
 
كما أنه أول كتاب في هذا المجال الجديد / القديم ؛ حيث لم يهتم المؤلفون بإصدار كتب متخصصة في هذا المجال؛ بل ويمكن اعتباره من الكتب الرائدة على مستوى الوطن العربى .
 
كما يشرح الكتاب ماهية المحارOyste بإعتباره نوعاً من الحيوانات الصدفية المائية، وهو من شعبه شوكيات الجلد يعيش في المحيطات والسواحل في المناطق ذات المناخ المعتدل أو الحار.
 
وللمحار جسم داخلي لين صالح للأكل، يقع داخل صدفة صلبة تتكون من قطعتين وله أشكـال وألـوان مختلفـة . كما أن معظم المحارات تعيش في قاع البحر، وقريباً من الشاطئ، حيث تكون المياه عادة هادئة وغير عميقة. ويُعتبر المحار واحدًا من أثمن الحيوانات الصدفية، لإن الناس تثبل على أكله؛ ويتميز محار الخليج العربي والمحيط الهادئ بكثرة المحارات التى تستخرج منها اللآلئ والتي تُستعمل حُليًّا للنساء؛ ومنها اللؤلؤ والذى يباع بأثمان باهظة كذلك ؛ كما أن الناس كانوا يأكلون المحار منذ آلاف السنين.
 
كما يخصص الكاتب حديثه عن الصدف وأهمية الأصداف ؛ حيث تنقسم صدفة المحارة إلى قسمين، يسميان مصراعي الصدفة، وكثيرًاً ما تسمى هذه المحارة المحارة ثنائية المصراع؛ أي ذات مصراعين. يلتصق هذان المصراعان بعضهما ببعض في أحد الأطراف عن طريق مفصل.
 
ويلاحظ أن أحد المصراعين أعمق وأكبر حجماً من المصراع الآخر، ويستند جسم المحارة على ذلك المصراع، بينما يعمل المصراع الآخر غطاء. وتحتفظ المحارة عادة بمصراعي صدفتها مفتوحين قليلاً، وعند اقتراب أي جسم متحرك تغلق المصراعين بحركة مفاجئة بوساطة عضلة قوية تسمَّى( العضلة المقربة.) تلصق تلك العضلة جسم المحارة إلى داخل الصدفة، ويبقى مصراعا الصدفة مغلقين إلى حين زوال الخطر. ويمكن للمحارة أن تظل مغلقة لعدة أسابيع.
 
والرداء طبقة جلدية لحيمة تبطن الجزء الداخلي من الصدفة، وتحيط بأعضاء الجسم، وتفرز مواد سائلة تتصلب وتكون الصدفة كما تُكون الألوان والأشكال التي تظهر عليها. ويضيف الرداء المادة للصدفة لتتسع كلما كبرت المحارة. وتوضح الخطوط الموجودة على الجزء الخارجي للمحارة إضافات هذه المادة بوساطة رداء المحارة.
 
أما الجزء الداخلي للصدفة، والذي تتغذى به، فهو ذو لون أبيض باهت أو أرجواني. ويغطى الجزء الداخلي من أصداف محارة اللؤلؤ بمادة ناعمة لامعة تُعرف بأم اللآلئ. ،وفي بعض الأحيان تنحشر حبة من الرمل أو من أي جسم آخر بين الرداء والصدفة، مما يثير الرداء، فينتج طبقات من مادة الصدفة، لوقف هذه الإثارة، وبهذه الطريقة تتكون اللؤلؤة.
 
وتأتي اللآلئ التي تستعمل أحجارًا كريمة من محارات اللؤلؤ التي تعيش في المياه المدارية، كما يُمكن للمحار الذي يستعمل غذاء أن يُنتج اللآلئ أيضًا، لكن هذه اللآلىء قليلة القيمة.
 
كما حظى كتاب أ/ خالد الهنداسى بالكثير من الصور الملونة للمحارات والأصداف ؛ والصور النادرة التى تعكس أصالة القديم وجمال الحاضر؛ كما تعرض الكتاب للكثير من المعلومات عن المحارات والصدف واستخداماته في شتى مناحى الحياة مما يجعلنا اعتباره موسوعة علمية وتراثية شاملة؛ تعكس أهمية المحارات والقواقع في الإستخدامات الطبية وفى الموروثات والمعتقد الشعبى لدى سكان الإمارات كذلك .
 
ولعل الكاتب قد استفاد في كتابه من الكتب الكثيرة والمقالات – التى ألفها سابقاً –ةغيرها ؛ و التى أرَّخت لتاريخ الإمارات والحرف والصناعات البحرية؛ إلا أن كتابه هذا يعتبر الكتاب الأول الذى تخصص في الحديث عن هذا الجانب التراثى للأصداف والقواقع بما بعكس الأهمية العظمى لهذا الكتاب؛ كما يكشف عن جانب مهم من تاريخ الإمارات يكاد يكون مجهولاً للناشئين والشباب ؛ كما يوثق للقيم والموروثات البحرية؛ وللصناعات القديمة والجديدة التى قامت وتقوم على الأصداف والمحارات .
 
كما يعتبر الكتاب موسوعة مصورة لأنواع كثيرة من الأصداف والقواقع البحرية التى يزخر بها ” الخليج العربى ” ؛ إلى جانب بعض الأحجار من الجزر البركانية وأنواعاً من الأصداف ونجوم البحر وحصان البحر؛ وغير ذلك .
 
وفى النهاية : لابد من وجود متاحف بحرية تاريخية تخدم السياحة ؛ وتعكس الموروث الشعبى البحرى ؛ وتضم المقتنيات النادرة من القواقع والمحار بألوان عجيبة وأحجام متنوعة وألوان جذابة وأشكال مبهرة وأخرى نادرة.
 
كما يمكن عمل ركن فى المتحف للؤلؤ الإماراتى – الذى اشتهر الإماراتيون بصيده على مر التاريخ ؛ وعمل مجسمات بحرية بالرمال والجص تجسد حباة البحر بالإضافة إلى جانب الصناعات التى تنشأ على مكونات الأصداف والمحارات كصناعة الأباجورات، والإكسسوارات والتحف التى تعكس الجمال الإماراتى التراثى العريق .
 
وستظل المحارات والأصداف إحدى المصادر التى يمكن من خلالها أن نستقى التاريخ الإماراتى العريق ؛ حيث نؤطر للحضارة والتراث هنا ؛ وتعكس أمجاد الشعوب ؛ وكفاحها مع الحياة والمجتمع؛ والكون والعالم والحياة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى