أبولونيا: جوهرة أثرية ليبية تختزل عصورًا من التاريخ
تقع مدينة أبولونيا الأثرية، المرفأ العريق، في منطقة الجبل الأخضر بليبيا. أسسها الإغريق لتكون مركزًا اقتصاديًا بارزًا على سواحل جنوبي البحر المتوسط، حيث ارتبطت تاريخيًا بمدينة قورينا “شحات” التي تبعد عنها نحو 20 كيلومترًا، كما أنها تبعد 30 كيلومترًا شرق مدينة البيضاء. وُلد في أبولونيا الجغرافي الشهير وعالم الرياضيات إراتوستينس، وتُعرف الآن بمدينة سوسة التي قامت على أنقاضها.
تاريخ أبولونيا
اشتهرت المدينة بطبيعتها الساحرة ومناخها المعتدل، وأطلق عليها المستوطنون اليونانيون اسم “أبولونيا”. كانت ميناءً رئيسيًا لقورينا منذ تأسيسها في القرن السابع قبل الميلاد، واشتهرت بتصدير نبات السلفيوم الذي كان ذا أهمية تجارية كبيرة آنذاك.
أصبحت أبولونيا إحدى المدن الخمس الليبية “البينتابوليس” خلال العهد البطلمي، ثم نالت مكانة بارزة في العهد الروماني كواحدة من المدن العشر المهمة، قبل أن تصبح عاصمة لإقليم قورينائية في القرن السادس الميلادي.
كما تعد أبولونيا ثاني أكبر مدينة رومانية في العالم، وتحتل موقعًا استراتيجيًا بين البحر والجبل، مما جعلها وجهة سياحية مميزة. يمكن الوصول إليها عبر طريق درنة أو الطريق الساحلي مرورًا برأس الهلال. تحكي معالمها الأثرية قصة عصور من الحضارات المتعاقبة، بدءًا من الإغريق وصولاً إلى الرومان والبيزنطيين.
تضم المدينة العديد من المعالم الأثرية التي تعكس تاريخها الغني، منها الأسوار المحيطة وأبراجها، المقابر، والكنائس البيزنطية الثلاث التي يعود تصميمها إلى العصر البيزنطي. إضافة إلى الحمامات الرومانية والبيزنطية والمسرح الإغريقي الروماني. كما يبرز قصر الدوق. وهو معلم أثري استخدمه الرومان مقرًا للقيادة العسكرية. ثم أعيد استخدامه في العصر البيزنطي ليضم 100 حجرة تعكس عظمة التصميم المعماري آنذاك.
كما تمتد بعض آثار أبولونيا تحت مياه البحر نتيجة للهبوط التدريجي لطبقات الأرض، إضافة إلى الزلزال الذي ضرب جزيرة كريت في عام 365 ميلادية، والذي تسبب في غمر أجزاء من ساحل المدينة ومينائها بمياه البحر.
أحد أبرز معالم المدينة هو مسرح أبولونيا الإغريقي القريب من الشاطئ، إضافة إلى بقايا حماماتها القديمة. كما أن الكنائس البيزنطية الثلاث تروي قصة التراث الديني الذي امتد لقرون.
عندما احتل الرومان منطقة الجبل الأخضر في القرن الأول قبل الميلاد، أطلقوا عليها اسم منطقة المدن الخمس الليبية، لاحتوائها على خمسة مراكز حضارية هي قورينا “شحات”، أبولونيا “سوسة”، طلميثة “بطوليمايس”، يوهيسبرديس “بنغازي”، وتوكره “العقورية”. أبولونيا، بتاريخها الغني ومعالمها الباقية، تبقى شاهدًا حيًا على تعاقب الحضارات وتأثيرها العميق على هذه المنطقة الساحرة.