عادات و تقاليد

“الصفّ” في زواج قبائل مطروح.. طقوس الشرف والجماعة وذاكرة الصحراء

أسماء صبحي – في قلب الصحراء الغربية، وبين الكثبان الرملية والسهول القاحلة. حافظت قبائل مطروح على طقوسها البدوية الأصيلة التي تعكس الروح الجماعية والشرف والتقاليد الممتدة عبر الأجيال. ومن بين تلك العادات التي لا تزال حية ومتجددة تبرز عادة “الصف”. وهي جزء من مراسم الزواج البدوي وتعرف أيضًا باسم “الدخلة البدوية”. وهي لحظة مركزية في العرس لا تقتصر على الزوجين فقط، بل تعد إعلانًا اجتماعيًا وعشائريًا يربط العائلتين داخل رابطة تكاد تكون مقدسة.

الزواج في قبائل مطروح

الزواج في قبائل مطروح ليس حدثًا فرديًا، بل فعل جماعي يشترك فيه أهل العريس والعروس، بل والقبيلة بأكملها أحيانًا. ويعد هذا الحدث تتويجًا لسلسلة طويلة من التقاليد تبدأ من الخطبة و”الشوفة” (رؤية العريس للعروس وفقًا للعادات). مرورًا بالاتفاق على المهر، وتقسيم النفقات، وإحياء “ليلة الحناء”. حتى الوصول إلى “ليلة الدخلة”، أو ما يعرف بالـ”صف”.

تعد “الصف” لحظة فاصلة تعلن فيها القبيلة أن الفتاة أصبحت جزءًا من بيت الزوج، وأن الرجل دخل مرحلة جديدة من النضج والمسؤولية. وهي لحظة رمزية مشحونة بالعاطفة والرهبة، لكنها أيضًا لحظة فرح جماعي وعرض للكرم والشهامة.

ما هو “الصف”؟

“الصف” هو جزء من مراسم الزفاف يتم بعد انتهاء الحفل الكبير (الليلة الكبيرة). ويُخصص لإعلان دخول العريس على عروسه أمام الجميع بطريقة تقليدية يحضرها رجال القبيلة وكبار السن من العائلتين. ولا تجرى هذه العادة في الخفاء، بل أمام جمعٍ من الحضور، في خيمة العرس أو المنزل البدوي.

تبدأ طقوس “الصف” بمسيرة تقليدية يصطحب فيها كبار رجال العائلة العريس. وهم يرددون الأشعار البدوية ويعزفون على الربابة، في طريقه إلى بيت العروس. وتتم هذه المسيرة غالبًا على الجمال أو الأقدام وفقًا لمكانة العائلة والبيئة الجغرافية.

الرمزية الاجتماعية للصف

يقول الدكتور عبدالسلام المغربي، الباحث المتخصص في التراث البدوي بجامعة مطروح، إن عادة الصفّ عند قبائل مطروح هي إعلان اجتماعي صارم بأن العروس أصبحت من مسؤولية العريس. وأن القبيلتين دخلتا في عهد جديد من المصاهرة. وهذه اللحظة ليست فقط لحظة فرح، بل لحظة اعتراف ومبايعة عرفية.

ويضيف: “ما يميز هذه العادة أنها تُظهر تماسك المجتمع البدوي، واحترامه لقيم العفة، والشرف، والكرم. ويعد التغني بسيرة العائلة، وترديد الأشعار، أحد مظاهر الفخر الجماعي”.

طقوس الصف عند قبائل مطروح 

تبدأ عادة الصف بإضاءة النيران حول مكان العرس، إيذانًا ببدء لحظة دخول العريس. ويقاد العريس من ديوانه إلى مكان وجود العروس وسط أصوات الزغاريد والربابة وأهازيج الترحيب ويرافقه شيوخ القبيلة وشبابها. وغالبًا ما تكون هذه اللحظة مصحوبة بـ”رديدة” أي الرد الشعري البدوي بين طرفين.

عند وصول العريس، تستقبل المسيرة بوجود من كبار نساء العائلة من جهة العروس اللواتي يرددن أهازيج الترحيب. ويؤدين رقصة “الزيانة” وهي رقصة نسائية تقليدية تمارس في مناسبات الفرح الكبرى.

ثم يدخل العريس والعروس الخيمة المعدة لهما أو غرفة خاصة. وبعد مرور وقت قصير، يعلن خروج أحد كبار السن لطمأنة الحضور أن “الصف تم بنجاح”. وهي لحظة يعب فيها المجتمع عن الاطمئنان لاكتمال الارتباط.

الكرم في ليلة الصف

من العادات الأساسية التي ترافق الصف تقديم “عشا الصف”. وهو وليمة كبيرة تعد للرجال الحاضرين وغالبًا ما تشمل الذبائح خصوصًا لحم الجمل. وتوزع على الجالسين في حلقات يشرف عليها وجهاء القبيلة. ويُعتبر الإخفاق في إعداد وليمة لائقة نوعًا من التقصير في الواجب القبلي.

وغالبًا ما تتباهى العائلات بعدد الذبائح المقدمة ما يرمز إلى الكرم والنخوة ويسجل ذلك ضمن “سيرة العائلة” ويتوارثها الأبناء. لذلك، فإن الصف يعتبر أيضًا اختبارًا لقدرة العائلة على الوفاء بالواجبات الاجتماعية والاقتصادية.

الأشعار البدوية في الصف

للشعر البدوي حضور طاغي في عادة الصف، إذ يتناوب الشعراء الشعبيون على إلقاء قصائد التبريك، والفخر بالنسب، والغزل العفيف. وأحيانًا ي،سل أحدهم “ردة” شعرية تمجد العروس وأهلها ويتلقاها شاعر آخر من عائلة العريس.

وقد تحولت بعض هذه الأشعار إلى أغنيات تراثية تفنى في الأعراس. مثل “يا زينة في عيون أمها”، أو “طلي علينا يا عروسة”. والتي تمثل تعبيرًا صادقًا عن بهجة الجماعة بالزواج كمناسبة للتقارب والتسامح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى