كيف بدأت مصر مواجهة الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية؟
دعاء رحيل
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، دخلت مصر مرحلة مليئة بالاضطرابات السياسية والاجتماعية، حيث لم تهدأ الشوارع من النقاشات الحادة، ولم تتوقف القلوب عن التطلع نحو تغيير شامل، وكانت قضايا مثل الاستقلال الوطني، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم الاقتصاد، وحل أزمة فلسطين، وبناء نظام ديمقراطي حقيقي، تمثل تحديات ضخمة تقف كأحجار متشابكة في كيان هش، لا يمكن ترميمه إلا عبر تحرك سياسي جاد يهز الجمود ويعيد تشكيل الواقع.
كيف بدأت مصر مواجهة الاستعمار
تصدرت قضية الاستقلال الوطني اهتمامات الرأي العام في ذلك الزمن، وسعى حزب الوفد كما فعلت قوى سياسية أخرى إلى بلوغ هذا الهدف من خلال طريق المفاوضات، وهو النهج الذي تبناه الوفد لسنوات خلال الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين، جرت ست جولات من المباحثات بين مصر وبريطانيا، لكن أياً منها لم يحقق نتيجة تذكر سوى ما حدث في عام 1936 حين جرى توقيع معاهدة منحت مصر استقلالاً جزئياً، مع الإبقاء على وجود قاعدة عسكرية بريطانية داخل البلاد.
هذا الاتفاق أثار انتقادات كبيرة، وأدى إلى تراجع الثقة الشعبية في الأحزاب، بما في ذلك حزب الوفد، بسبب ما اعتبره الناس تقصيراً في تحقيق حلم الاستقلال الكامل وخلال سنوات الحرب العالمية الثانية، تعزز النفوذ البريطاني في مصر على المستويين السياسي والاقتصادي، اعتماداً على بنود تلك المعاهدة وما فرضته ظروف الحرب.
عقب انتهاء الحرب، ارتفعت الأصوات المنادية برحيل البريطانيين ومراجعة المعاهدة، فتولت حكومتا السعديين وإسماعيل صدقي مسؤولية هذا التوجه، وسعتا إلى تغيير الواقع القائم، إلا أن المحاولات اصطدمت بموقف بريطاني متصلب وأمام فشل هذه المساعي، تقدمت مصر بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي مطالبةً بجلاء القوات البريطانية عن مصر والسودان، لكن الرد جاء باهتاً، إذ أيدت مصر ثلاثة أصوات فقط، بينما امتنع المجلس عن اتخاذ قرار حاسم.
وفي لحظة سياسية فارقة، خلال شهر أكتوبر من عام 1951، أقدمت حكومة الوفد على خطوة غير مسبوقة، فأعلنت من طرف واحد إلغاء معاهدة عام 1936، مؤكدة رفضها القاطع لاستمرار الاحتلال البريطاني جاء هذا القرار الجريء ليكون ذروة الحراك السياسي نحو الجلاء، وعكس إرادة قوية في استعادة السيادة الكاملة، إلا أن هذه الخطوة فتحت في الوقت نفسه الباب أمام سلسلة من التحديات الجديدة داخل المشهد السياسي المصري، وكانت بمثابة بداية تحول جذري في علاقة مصر بقوى الاستعمار وفي مسارها نحو الاستقلال الفعلي.



