تاريخ ومزارات

هرم ميدوم ببني سويف.. شاهد على عبقرية الفراعنة وبدايات بناء الأهرامات

أسماء صبحي – في صحراء محافظة بني سويف، وتحديدًا على بعد نحو 40 كيلومترًا شمال مدينة بني سويف. ينهض هرم ميدوم شامخًا في هدوء، وسط الرمال التي تحفظ أسرار آلاف السنين. وقد لا يحظى هذا الهرم بشهرة “خوفو” أو “خفرع” في الجيزة. لكنه يعد من أبرز المعالم الأثرية في مصر القديمة، إذ يمثل مرحلة انتقالية مهمة بين التصميم الهرمي المدرج والهرم الكامل. إنه تحفة معمارية من عهد الأسرة الرابعة تعود إلى نحو 2600 قبل الميلاد. ويحمل بين حجارته قصة تطور علم البناء في مصر القديمة.

تاريخ هرم ميدوم

يعتقد أن الهرم بدأ في الأصل كمصطبة ضخمة بناها الملك حوني، آخر ملوك الأسرة الثالثة. لكن جاء بعده الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة. وأعاد تصميمه ليصبح أول هرم حقيقي في التاريخ، أي هرم ذو جوانب ملساء.

سنفرو، والد الملك خوفو باني الهرم الأكبر، يعد أحد أعظم البنائين في تاريخ مصر وينسب إليه بناء 3 أهرامات، بينها هرم ميدوم. وقد ساهم في تطوير تقنيات البناء التي مهّدت لاحقًا لبناء أهرامات الجيزة.

رغم أن تصميم الهرم كان طموحًا، إلا أن الجزء الخارجي منه انهار على الأرجح في وقت لاحق. مما جعله يظهر اليوم وكأنه هرم مدرج متهدم لكنه في الأصل كان محاولة فريدة لبناء أول هرم كامل الزوايا.

العمارة والابتكار

يبلغ ارتفاع هرم ميدوم حاليًا حوالي 45 مترًا، بعد انهيار أجزائه العلوية، وكان في الأصل يزيد على 90 مترًا. ويتكون الهرم من 7 درجات (طبقات)، وقد أضيفت طبقتان في عهد سنفرو. ثم غطيت الدرجات بجدران ملساء ليأخذ الشكل الهرمي الكامل، لكنه انهار لاحقًا لأسباب لا تزال مثار جدل بين علماء الآثار.

ومن الناحية المعمارية، يعد الهرم خطوة ثورية نحو فكرة الهرم الكامل، التي وصلت إلى ذروتها في عهد خوفو. كما توجد مقبرة مجاورة تعرف باسم “الهرم التابع”، يعتقد أنها كانت جزءًا من مجمع جنائزي أكبر.

الموقع الجغرافي وأهميته

يقع الهرم في قرية ميدوم التابعة لمركز الواسطى، شمال بني سويف، وعلى بعد نحو 100 كيلومتر جنوب القاهرة. وهو يتميز بموقعه القريب من نهر النيل، ما سهل نقل الأحجار الضخمة من المحاجر إلى موقع البناء.

ويقول الدكتور أحمد صالح، أستاذ الآثار المصرية بكلية الآداب – جامعة بني سويف، إن هرم ميدوم لا يقل أهمية عن أهرامات الجيزة. لكنه لم يأخذ حقه في الترويج السياحي. هو يمثل نقطة تحول في العمارة المصرية، ونقطة انطلاق لبناء الأهرامات العظيمة التي نراها اليوم.

المقابر المحيطة بـ هرم ميدوم

إلى جانب الهرم، توجد مجموعة من المقابر الخاصة بكبار موظفي الدولة والمهندسين في عهد سنفرو. وتتميز هذه المقابر بنقوش دقيقة تُظهر مناظر الحياة اليومية، مما يعكس التطور الفني الكبير في هذه المرحلة.

أبرز تلك المقابر:

  • مقبرة الأمير رع حتب وزوجته نفرت، وتحتوي على تماثيل فريدة محفوظة حاليًا في المتحف المصري بالقاهرة. وتعد من أروع ما وصلنا من فن النحت المصري القديم.
  • مقابر مهندسي الهرم، مثل “نيفر ماعت”، الذي يعتقد أنه أشرف على بعض أعمال البناء.

الرمزية الدينية والدور الجنائزي

كالعديد من الأهرامات، كان هرم ميدوم جزءًا من مجمع جنائزي يضم:

  • المعبد الجنائزي.
  • الهرم التابع (الأصغر حجمًا).
  • الطريق الصاعد.
  • سور خارجي يحيط بالمكان.

ترمز هذه العناصر إلى معتقدات المصريين القدماء عن الحياة الأخرى، والبعث بعد الموت. حيث كان يعتقد أن الملك يصعد إلى السماء ليعيش بين الآلهة، والهرم كان هو الوسيلة لذلك الصعود.

الاكتشافات والتنقيبات

تمت أولى أعمال الحفر والتنقيب في هرم ميدوم على يد الرحالة الأوروبيين في القرن التاسع عشر. مثل جون بيرتش، ثم تبعه علماء آثار مصريون وأجانب، أبرزهم فليندرز بيتري، الذي درس تصميم الهرم ومراحله المعمارية.

كما قامت البعثات المصرية في أوائل القرن العشرين بالكشف عن أجزاء كبيرة من المجمع الجنائزي. وتم توثيق معظم النقوش والتماثيل، ونقلت إلى المتحف المصري لحمايتها من السرقة أو التآكل.

ورغم أهميته التاريخية والمعمارية، لا يحظى هرم ميدوم اليوم بقدر كافي من الاهتمام السياحي أو الإعلامي. ورغم وجود لافتات إرشادية وطريق ممهد نسبياً، فإن البنية التحتية تحتاج إلى تطوير أكبر.

وقال الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة السياحة والآثار: “هرم ميدوم موقع أثري فريد. وندرس حالياً إدراجه ضمن مسار سياحي جديد يربط بني سويف بالجيزة والفيوم. من أجل فتح مسارات تنموية وسياحية جديدة في الصعيد”.

أهمية هرم ميدوم في التاريخ المصري

يعد الهرم بداية مرحلة جديدة في فن البناء والهندسة. وبوابة عبور نحو تقنيات متطورة ظهرت لاحقًا في أهرامات الجيزة. كما يمثل شهادة على قدرة المصري القديم على التجربة، والتطوير، والوصول إلى الكمال المعماري.

ويكفي أنه حتى بعد مرور آلاف السنين، لا تزال أحجاره صامدة، حاملة أسرارًا عن حضارة كان بناؤها يسبق الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى