عبد القادر حلمي.. القصة الكاملة لبطل مصري حارب أمريكا من قلبها ودفع الثمن غالي

في يوم العاشر من فبراير عام 1948، ولد طفل في قرية الأشمونين بمركز ملوي في محافظة المنيا، اسمه عبد القادر حلمي. كان طفلا عاديا لكنه حمل في قلبه طموحا كبيرا وذكاء حادا، ولم يكن أحد يتوقع أن هذا الطفل سيكبر ليصبح أحد أبطال مصر الذين صنعوا الفارق وواجهوا أقوى أجهزة المخابرات العالمية.
من هو عبد القادر حلمي
منذ سنواته الأولى، ظهرت علامات النبوغ على عبد القادر. تخرج من الكلية الفنية العسكرية عام 1970 بتقدير امتياز وكان الأول على دفعته في قسم الهندسة الكيميائية، حيث تخصص في أنظمة الدفع الصاروخي. بعد التخرج سافر إلى الاتحاد السوفيتي، وهناك حصل على الماجستير والدكتوراه في تطوير الصواريخ الباليستية، ثم عاد إلى مصر وعمل في مصنع قادر العسكري، لكنه كان يسعى لما هو أبعد من حدود المصنع.
في أواخر السبعينيات، تم إيفاده إلى كندا كخبير في الصواريخ، وبعدها انتقل إلى الولايات المتحدة ليعمل في شركة تلداين، إحدى أكبر شركات تصنيع أنظمة الدفع الصاروخي، وهناك في كاليفورنيا، حقق عبد القادر إنجازات مبهرة، حيث أصلح مشكلات خطيرة في نظام الدفع الخاص بمكوك الفضاء ديسكفري، مما أنقذ المشروع من كارثة مشابهة لما حدث مع مكوك تشالنجر، وهذا النجاح منحه تصريحا أمنيا من أعلى درجة، سمح له بالدخول إلى قواعد البيانات السرية ومعامل الاختبار الخاصة بالبنتاجون.
شارك عبد القادر في تطوير قنابل الدفع الغازي، وهي أسلحة توازي القوة النووية دون إشعاع. لكنه رغم كل ذلك، ظل وفيا لوطنه، يسعى لتسخير علمه في خدمة مصر.
في أوائل الثمانينيات، أطلقت مصر مشروع الكوندور بالتعاون مع العراق والأرجنتين، بهدف تصنيع صاروخ باليستي متطور. كان العراق يمول المشروع، والأرجنتين تقدم التكنولوجيا، بينما تولت مصر الجوانب الاستخباراتية واللوجستية. قاد عبد القادر هذا المشروع من الداخل الأمريكي، وتمكن من تسريب تصميمات سرية للجيش المصري، منها أبحاث عن قنابل الدفع الغازي.
كان التحدي الأكبر هو تهريب مادة الكربون الأسود، وهي المادة التي تجعل الصاروخ غير مرئي للرادارات. بالتنسيق مع شبكة استخباراتية يقودها اللواء حسام خيرت، استطاع عبد القادر تهريب 470 رطلا من هذه المادة إلى مصر عبر شحنات دبلوماسية.
الشبكة لم تتوقف عند ذلك، بل نجحت في تجنيد علماء أمريكيين مثل جيمس هوفمان وكيث سميث، لاختراق برامج توجيه صواريخ باتريوت الأمريكية. كانت العملية تسير بنجاح، وكانت على وشك أن تغير موازين القوى في الشرق الأوسط.
لكن الخطر الأكبر جاء من الداخل، من زميل لعبد القادر كان يقيم معه في ساوث كارولينا. بدا هذا الشخص بسيطا يرفض مظاهر الحضارة الغربية، لكنه كان عميلا للمخابرات الأمريكية وتم تجنيده للتجسس على العرب.
في إحدى الليالي، تلقى عبد القادر مكالمة مشفرة تحدث فيها عن شحنة سرية، وكانت هذه المكالمة كافية لزرع الشك في نفس زميله الذي نقل فورا ما سمعه إلى أجهزة الأمن.
بدأت أجهزة المخابرات الأمريكية مراقبة عبد القادر، وتم تسجيل كل مكالماته، حتى رصدوا شحنة الكربون الأسود في مارس 1988، وكانت مخبأة داخل سيارة دبلوماسية تابعة للسفارة المصرية.
في يونيو من العام نفسه، تكررت العملية، وهنا قررت أمريكا التدخل. في عام 1989، ألقت السلطات الأمريكية القبض على عبد القادر ومعه جيمس هوفمان. ورغم أن المخابرات المصرية نجحت في تهريب اللواء عبد الرحيم الجوهري وعدد من الدبلوماسيين، فإن عبد القادر واجه مصيرا مختلفا.
تم توجيه 12 تهمة لعبد القادر، منها غسل الأموال وتهريب مواد محظورة. صدر الحكم بسجنه 46 شهرا، وغرامة قدرها 350 ألف دولار، مع الإقامة الجبرية في الولايات المتحدة لمدة 25 سنة. تمت مصادرة أبحاثه وممتلكاته، وتم القبض على زوجته، بينما أُبعد أطفاله إلى أسرة أمريكية.
الولايات المتحدة شنت أيضا حملة انتقامية ضد الضباط المصريين الذين شاركوا في العملية، فحاولت اغتيال اللواء حسام خيرت، ونجحت المخابرات المصرية في إنقاذه عبر عملية تمويه دقيقة. كما تم اغتيال الملحق التجاري المصري في سويسرا، وتعرضت السفيرة المصرية في النمسا لمحاولة اغتيال.
أدت هذه التطورات إلى الإطاحة بالمشير عبد الحليم أبو غزالة، الذي اعتبرته أمريكا العقل المدبر للمشروع. وسقطت حكومة الأرجنتين، وتم تدمير المشروع بالكامل في العراق بعد غزو 1991.
في فبراير 2013، عاد عبد القادر حلمي إلى مصر، بعد سنوات طويلة من المعاناة. عاد بطلًا عاش في الظل، لا يعرف الكثيرون تضحياته، لكنه ظل رمزا للعلم والولاء والجرأة.