عرب الفتح ومن جاء بعدهم من العرب قبل قدوم الهلاليين

لما جاءت الملة الإسلامية وأظهرها الله على الدين كله، زحفت جيوش المسلمين من العرب إلى أرض المغرب، فدخلوها غزاة مجاهدين على ظهور خيولهم، ولما أتمّ الله على أيديهم فتح هذه الأقطار والأمصار انقلب جمهورهم إلى جزيرة العرب، ومن بقي منهم استوطنوا الأمصار دون البادية، لأن الغلب الذي مكنهم الله منه كان يمنعهم من سكنى البادية ويعدل بهم إلى الحضارة.(1)

واختلط العرب بالبربر من غير اندماج، وكان لهم الفضل الكبير في نشر الإسلام ولغة القرآن في المدن والحواضر. ولما دخل الهلاليون إفريقية في القرن 11م تحيّزوا إليهم واندمجوا فيهم. قال الشيخ مبارك الميلي : “تزاحف الجمعان، فانخذل عرب الفتح إلى إخوانهم الهلاليين، وخانت زناتة وصنهاجة الحمادية، فترك المعز معسكره للعرب، وفرّ إلى القيروان، واستولى العرب على إفريقية ومدنها.” (2)

وقال ابن خلدون : “وارتحل المعز في أولئك النفر ومن لف لفهم من الأتباع والحشم والأولياء ومن في إيالتهم من بقايا عرب الفتح وحشد زناتة، والبربر، وصمد نحوهم في أمم لا تحصى يناهز عددهم فيما يذكر ثلاثون ألفاً. وكانت رياح وزغبة وعدي بقبلي حيدران من جهة قابس. ولما تزاحف الفريقان انخذل بقية عرب الفتح وتحيّزوا إلى الهلاليين للعصبية القديمة، وخانته زناتة وصنهاجة، وكانت الهزيمة على المعز، وفرّ بنفسه وخاصته إلى القيروان. وانتهبت العرب من جمع مخلفه من المال والمتاع والذخيرة والفساطيط والرايات وقتلوا فيها من البشر ما لا يحصى. يقال إن القتلى من صنهاجة بلغوا ثلاثة آلاف وثلثمائة. وفي ذلك يقول علي بن رزق الرياحي كلمته. ويقال إنها لابن شداد وأوّلها:

لقد زار وهناً من أميم خيال *** وأيدي المطايا بالزميل عجال

ثلاثون ألفاً منهم قد هزمتهم *** ثلاثــة آلاف وذاك ضلال (3)

ومن العرب الذين استقروا بالجزائر قبل قدوم الهلاليين، أخلاط من قريش والعرب والجند كانوا بمدينة طُبْنة (بريكة اليوم)، ذكرهم اليعقوبي في (القرن 9م) فقال : “ومن القيروان إلى بلاد الزاب عشر مراحل، ومدينة الزاب العظمى طبنة، وهي التي ينزلها الولاة، وبها أخلاط من قريش، والعرب، والجند، والعجم، والأفارقة، والروم، والبربر”.

وذكر قوما من بني أسد بن خزيمة، كانوا عمالا من قبل ابن الأغلب على سطيف فقال : “ومدينة يقال لها سطيف، بها قوم من بني أسد بن خزيمة، عمال من قبل ابن الأغلب”.

وكان أهل مدينة بلزمة قوما من بني تميم ومواليهم فقال : “ومدينة يقال لها بلزمة، أهلها قوم من بني تميم، وموالى لبني تميم، وقد خالفوا على ابن الأغلب في هذا الوقت “.

وأهل مدينة مقرة كانوا من بني ضبة، وقوم من العجم. (ضبة بن أدّ بطن من طابخة من خِنْدَف من مضر من العدنانية)، فقال : “ومدينة يقال لها مقرة، لها حصون كثيرة. والمدينة العظمى مقرة أهلها قوم من بني ضبة، وبها قوم من العجم، وحولها قوم من البربر”.

وهناك عرب آخرون استقروا في بقية المدن والحواضر، كقلعة بني حماد والمسيلة وتيهرت وتلمسان وغيرها…

أمّا الأشراف الذين نزلوا أرض الجزائر فهم من بني محمد بن سليمان وبني جعفر وبني الحسن، وكانت لهم بها ممالك.

فأمّا بنو حمزة بن الحسن فكانت لهم مملكة هاز التي كانت تمتد من ناحية البويرة إلى نواحي زاغز الشرقي إلى نواحي قصر البخاري فتشمل على سهل حمزة الفسيح. وبهذه الجهة اليوم عين بسام وسور الغزلان وسيدي عيسى وغيرها (4)

وسمي سهل حمزة بحمزة بن الحسن صاحب هاز. والبويرة كانت تسمى سوق حمزة لأنه الباني لها. قال البكري : “وسوق حمزة مدينة عليها سور وخندق، وبها آبار عذبة، وهي لصنهاجة، نزلها حمزة بن الحسن وبناها.”

وقال ابن حزم الأندلسي :”ومنهم حمزة بن الحسن بن سليمان بن سليمان بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ملك هاز في أرض المغرب (الجزائر)، وملك قطيعاً من صنهاجة؛ وإليه ينسب سوق حمزة، وولده بها كثير، وكذلك أيضاً ولد إخوته في تلك الجهة”.

واستمرت مملكة هاز لبني الحسن إلى أن خرّبها زيري بن مناد الصنهاجي، وفي أيام المعز بن المنصور أجلب قائده جوهر على هذه المملكة وقضى عليها. قال ابن خلدون : “وحمل بني حمزة منهم إلى القيروان، وبقيت منهم بقايا في الجبال والأطراف معروفون هنالك عند البربر”.

أمّا بنو محمد بن جعفر فكانوا بمتيجة قرب الجزائر وهو سهل يشمل عدة مدن وحصون منها اليوم البليدة وبوفاريك، ذكرهم اليعقوبي فقال : “وهو بلد زرع وعمارة واسع فيه عدة مدن وحصون، تغلب فيه رجال من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب، يقال لهم بنو محمد بن جعفر”.

أمّا محمد بن سليمان فقد استقر بعين الحوت من ناحية تلمسان، وتوفي بجبل وهران، وترك أبناءا اقتسموا مملكته. فامتدت ممالكهم من غربي مدينة مليلة وتذهب مساحلة مشرقة إلى أن تنقطع نواحي مستغانم بامارة هوارة، ثم تعود بناحية تنس وتذهب جنوب شلف إلى مليانة وتنتهي بمتيجة.

نقل ابن خلدون عن ابن حزم : ” أن بني محمد بن سليمان بالمغرب كثير جداً، وكانت لهم بها ممالك عدة، وقد بطل جميعها ولم يبق منهم بها رئيس”.

وقد بين اليعقوبي هذه الممالك فقال : ” متيجة مدينة مدكرة فيها ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السّلام. ومدينة الخضراء ويتصل بهذه مدن كثيرة وحصون وقرى ومزارع، يتغلب على هذا البلد ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام كل رجل منهم مقيم متحصن في مدينة وناحية، وعددهم كثير حتى أن البلد يعرف بهم وينسب إليهم، وآخر المدن التي في أيديهم المدينة التي تقرب من ساحل البحر يقال لهم سوق إبراهيم وهي المدينة المشهورة فيها رجل يقال له عيسى بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن. ثم من هذه إلى تاهرت …

” ثم من مملكة ابن مسالة الهواري إلى مملكة لبني محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن أيضا. ومسكنهم في المدينة العظمى التي يقال لها ثمطلاس. وأهل هذه المملكة قوم من بطون البربر من سائر قبائلهم وأكثرهم قوم يقال لهم بنو مطماطة وهم بطون كثيرة ولهم في مملكتهم مدينة عظيمة يقال لها أبروج بها بعضهم ( يعني بني محمد ).

وأهل هذه المدينة مطماطة. ومدينة أيضا يملكها رجل منهم ( من بني محمد ) يقال له عبد الله تسمى المدينة الحسنة إذا فسرت من لسان البربر بالعربية “.

” ثم إلى المدينة العظمى المشهورة بالغرب التي يقال لها تلمسان ينزلها رجل منهم يقال له محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان، وحول هذه المدينة قوم من البربر يقال لهم مكناسة وسرسة”.

” ثم إلى المدينة التي تسمى مدينة العلويين كانت في أيدي العلويين من ولد محمد بن سليمان ثم تركوها فسكنها رجل من أبناء ملوك زناتة يقال له علي بن حامد بن مرحوم الزناتي، ثم منها إلى مدينة يقال لها نمالتة فيها محمد بن علي بن محمد بن سليمان، وآخر مملكة بني محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مدينة فالوس وتليها مملكة صالح بن سعيد الحميري”.

مملكة صالح بن سعيد الحميري هي بلد نكور من وطن الريف على البحر في غربيها مرسى بادس، فتكون ممالك بني محمد بن سليمان تمتد من هناك غربي مدينة مليلة وتذهب مساحلة مشرقة إلى أن تنقطع نواحي مستغانم بامارة هوارة، ثم تعود بناحية تنس وتذهب جنوب شلف إلى مليانة وتنتهي بمتيجة “.

أما الأدارسة فسنخصص لهم مقالا منفردا إذا كان للعمر بقية.

ـــــــــــــــــ

(1) أحمد الناصري، كتاب الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصي، ج2

(2) تاريخ الجزائر في القديم والحديث، الشيخ العلامة مبارك بن محمد الهلالي الميلي، ج2، ص.181

(3) تاريخ ابن خلدون – ج6 – ص.21

(4) تاريخ الجزائر في القديم والحديث، الشيخ العلامة مبارك بن محمد الهلالي الميلي، ج2، ص.103

المراجع :

ـ تاريخ ابن خلدون ، ج6

ـ تاريخ الجزائر في القديم والحديث، الشيخ العلامة مبارك بن محمد الهلالي الميلي، ج2

ـ البلدان لليعقوبي

ـ جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي

ـ أحمد الناصري، كتاب الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصي، ج2