عائلة الشيخ إبراهيم باشا: جذور مغاربية صنعت مجدًا في الإسكندرية

أسماء صبحي
في زوايا حي المنشية التاريخي بالإسكندرية، وبين أزقة العطارين. لا تزال ذاكرة المدينة تحتفظ باسم عائلة الشيخ إبراهيم باشا، العائلة التي قدمت من أصول مغاربية وتوطنت في الإسكندرية خلال القرن الثامن عشر. ثم صارت رمزًا للعطاء الاجتماعي والنهضة العلمية والدينية في عروس البحر المتوسط. وتعد هذه العائلة من أوائل الأسر العربية التي ساهمت في تشكيل النسيج الاجتماعي السكندري بسمات روحانية وثقافية مغربية الطابع، وبأسلوب مصري خالص.
هجرة عائلة الشيخ إبراهيم باشا من المغرب
استقرت العائلة في الإسكندرية قادمة من مدينة فاس المغربية، في إطار موجات الهجرة المغاربية المرتبطة بطريق الحج وطلب العلم. خاصة بعد أن أصبحت الإسكندرية بوابة شمال إفريقيا نحو الحجاز. وقد استقبلت عائلة الشيخ إبراهيم باشا بترحاب من العلماء والمشايخ المصريين، نظرًا لما حملته من علم شرعي وتقاليد صوفية. لتبدأ مرحلة من الاندماج العميق في الحياة الثقافية والاجتماعية للمدينة.
وكان الشيخ إبراهيم، مؤسس العائلة، من العلماء المتخصصين في الفقه المالكي والتصوف. وتولى التدريس في عدد من الزوايا والمساجد بالإسكندرية، أبرزها زاوية “سيدي عبدالرحيم المغربي”. كما أسس أول مكتبة علمية وقفها لخدمة طلاب العلم، تضم كتبًا نادرة في الفقه واللغة والمنطق.
وتوارث الأبناء والأحفاد هذا الإرث، فبرز من العائلة فقهاء وقراء للقرآن ومحسنون. وكان لهم حضور في المحافل العلمية التي كانت تعقد في الجامع الكبير بالإسكندرية. كما ساهموا في دعم حلقات التعليم الأزهري في المدينة.
نشاط اجتماعي وإنساني مؤثر
لم يكن تأثير العائلة قاصرًا على الجانب الديني فقط، بل امتد إلى ميادين العمل الخيري. فقد أنشأت العائلة عدة أوقاف في الإسكندرية، خصصت ريعها لدعم الفقراء وتعليم الأيتام. ومن أبرز تلك الأوقاف: “وقف السيدة خديجة بنت إبراهيم باشا” الذي أنشئ في أواخر القرن التاسع عشر لدعم الفتيات اليتيمات. ولا يزال مبناه قائمًا حتى اليوم في حي الجمرك.
ويرى الدكتور أشرف محمد حسن علي، أستاذ التاريخ الاجتماعي بجامعة الإسكندرية، أن عائلة الشيخ إبراهيم باشا تمثل حلقة وصل بين المشرق والمغرب العربيين. وتجسّد نموذج العائلة العربية التي امتلكت وعيًا دينيًا واجتماعيًا جعلها حاضرة بعمق في الوجدان السكندري حتى اليوم. كما لعبت دورًا موازيًا لدور العائلات المشرقية من الشوام والحجازيين الذين استقروا في المدينة.
ورغم مرور أكثر من قرنين على استقرارها في الإسكندرية، لا تزال آثار هذه العائلة ماثلة للعيان. ومنها زاوية الشيخ إبراهيم بشارع الإمام مالك، ومبنى المكتبة الوقفية في المنشية. بالإضافة إلى مخطوطات نادرة تحتفظ بها مكتبة البلدية ومكتبة الإسكندرية، وتحمل توقيعات علماء من هذه الأسرة.