رشيد أشعلت النار فوق رؤوس الغزاة وكسرت شوكة الإنجليز في ملحمة لا تنسى

بعد أن ودعت مصر الاحتلال الفرنسي، لم تكد تلتقط أنفاسها حتى طمعت فيها أنظار الإنجليز، فأعدت بريطانيا حملة عسكرية طامحة إلى السيطرة على البلاد، وأسندت قيادتها إلى الجنرال فريزر الذي أبحر بجنوده حتى رسوا على شواطئ الإسكندرية دون مقاومة تذكر، ظنّا منهم أن الطريق نحو الهيمنة مفروش بالورود، غير أن ما واجهوه بعد ذلك بدد كل أحلامهم.
تاريخ معركة رشيد
في مطلع ربيع عام 1807، زحفت القوات البريطانية نحو مدينة رشيد في دلتا النيل، وهم يظنون أن السيطرة عليها لن تستغرق سوى ساعات، لكن ما إن دخلوا المدينة حتى واجهوا ما لم يكن في حسبانهم، فقد نهضت رشيد من سباتها كالمارد، وتوحدت صفوف أهلها خلف شخصية فذة تمثلت في الشيخ حسن كريت، التاجر الشريف، الذي جمع حوله العلماء والأئمة، والفلاحين الصابرين، والتجار الصادقين، وحتى الأطفال الذين أضاؤوا بأعينهم نار التحدي.
اختبأ رجال رشيد في أركان المنازل، وعلى أسطح البيوت، وفي زوايا الشوارع الضيقة، ثم فجأة دوّت طلقات البنادق من كل جهة، واشتعلت النيران من النوافذ، وتحول الصمت إلى صخب عارم. الرصاص انهمر على جنود الاحتلال كما ينهمر المطر، والبارود التحم بصيحات المقاومة فارتجت المدينة فوق رؤوس المعتدين.
خيّل للجنرال فريزر أن جيشا مدربا يحاصر رجاله، لكنه لم يدرك أنهم أمام شعب يرفض الخضوع، ويقاتل دفاعا عن أرضه وكرامته وإيمانه، فتكبدت القوات البريطانية خسائر فادحة، وسقط المئات من الجنود بين قتيل وجريح، وتفرقت صفوفهم كالأمواج على صخرة الإرادة الشعبية.
هرب من بقي منهم إلى الميناء، يجرون أذيال الخيبة، وصعدوا إلى سفنهم مذهولين مما واجههم. أما فريزر، فقد خط بقلمه خطابا يائسًا يطلب فيه النجدة، لكنه بعد أن فقد الأمل، لم يجد أمامه سوى إصدار أوامره بالانسحاب الكامل، معلنا فشل الحملة البريطانية أمام بسالة مدينة رشيد.
وسجل المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي تفاصيل هذه الملحمة في سطور تضيء التاريخ، فكتب بأن رشيد المتواضعة، التي جمعت بين رجال الدين وأبناء الشعب البسطاء، كسرت كبرياء جيش أوروبي من أقوى جيوش العالم، ووصف هذا الانتصار بأنه نصر إلهي نصر فيه الله أهل الإيمان.