عادات و تقاليد

الدواوين في الكويت.. حكاية التراث والسياسة والمجتمع

تأصلت الدواوين في قلب المجتمع الكويتي كجزء راسخ من هويته الثقافية والاجتماعية، واهتم بها كبار المؤرخين في الخليج، ممن تناولوا نشأة الحواضر العربية والإسلامية وتاريخ التقاليد المجتمعية فيها، الديوانية ليست مجرد مكان لاستقبال الضيوف، بل هي مساحة حيوية يجتمع فيها الأصدقاء والجيران والأقارب، لتقوية الروابط العائلية ومناقشة قضايا المجتمع، وتبادل الرأي في الشؤون السياسية والاجتماعية، كما تكرس مفاهيم الوحدة الوطنية وتتناول هموم المواطن وتطلعاته. ومع مرور الوقت، صارت الديوانية منصة حوار مفتوح، وتحولت في العقود الأخيرة إلى ساحة انتخابية مهمة للمرشحين الطامحين إلى دخول البرلمان، والذين يسعون من خلالها إلى كسب تأييد الناخبين.

تاريخ الدواوين في الكويت

يتحدث المؤرخ عبدالله محمد الهاجري عن أصل الديوانية في الثقافة العربية، فيشير إلى أنها ليست مستحدثة كما يتصور البعض، بل تعود إلى قرون طويلة. ويستشهد بما أورده ابن منظور في لسان العرب، أن الديوان يعني مكان تجمع الصحف، والديوانية تمثل تجمعاً للبشر، عامة وخاصة، حيث يلتقون ويتحاورون. ويوضح الهاجري أن الديوانية الكويتية نشأت منذ تأسيس الكويت عام 1613، عندما تشكل المجتمع الكويتي ككيان متماسك، فبدأت كل أسرة تبني ديوانها الخاص، وتحول بعضها إلى مركز قيادي يشرف عليه كبار المشايخ، وكان المجلس في الماضي هو الإطار الأساسي الذي يجتمع فيه رجال القبائل والعشائر لمناقشة القضايا الكبرى.

مع الوقت، ازدادت الديوانيات أهمية في المجتمع الكويتي، حسب ما يروي الهاجري، وأصبحت ركيزة من ركائز التنشئة السياسية لأفراد المجتمع، خاصة في ظل غياب الأحزاب السياسية الرسمية في ذلك الحين. لعبت الديوانية دور المؤسسة غير الرسمية التي جسدت التوازن الاجتماعي وسمحت بالمشاركة المجتمعية، والثقافية، وحتى السياسية. استمر هذا الدور إلى اليوم، مما دفع الكثيرين إلى وصفها بأنها برلمانات مصغرة، تدور فيها نقاشات مكثفة حول مستقبل البلاد.

كما يشير الهاجري إلى أن النساء في الكويت شاركن أيضاً في المشهد السياسي من خلال الدواوين، في مراحل مبكرة نسبياً، وذلك ضمن تجارب متعددة مرت بها البلاد أفرزت أشكالاً سياسية متنوعة، وهذا يؤكد أن الديوانية لم تكن حكراً على الرجال فقط، بل كانت منبراً مفتوحاً للمشاركة المجتمعية بكل أطيافها.

بعد استقلال الكويت بعامين، وتحديداً في عام 1963، انطلقت أول انتخابات لمجلس الأمة، ومنذ ذلك الوقت اكتسبت الديوانيات دوراً محورياً في الحملات الانتخابية. أصبح المرشحون يتوجهون إلى أبرز الدواوين في مناطقهم لعرض برامجهم الانتخابية، وعرض رؤيتهم أمام جمهور الناخبين، على أمل نيل ثقتهم وأصواتهم وبالمقابل، نظم أصحاب الدواوين جداول منتظمة لحضور المرشحين، وأعلنوا عنها عبر الصحف الرسمية، لإتاحة الفرصة للناخبين لحضور المحاضرات والاستماع المباشر إلى ما يطرحه كل مرشح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى