تاريخ ومزارات

ملحمة مؤتة أول معركة إسلامية خارج الجزيرة العربية

مع بداية السنة الثامنة من الهجرة، شهد التاريخ أول مواجهة عسكرية للمسلمين خارج الجزيرة العربية بعد حادثة مفجعة ارتكبها شرحبيل بن عمرو الغساني، حاكم الأردن التابع للروم، حيث اعترض طريق الحارث بن عمير الأزدي رسول النبي الذي كان يحمل دعوة الإسلام إلى حاكم بصرى في الشام، قام باعتقاله وتقييده ثم أقدم على صلبه وقتله في مشهد وحشي استفز مشاعر المسلمين، لم يتجاهل النبي هذا الاعتداء الغادر، وبعد مشاورة أصحابه، جاء القرار الحاسم بالتحرك لتأديب المعتدين وإيصال رسالة واضحة بأن دماء المسلمين ليست رخيصة.

تاريخ ملحمة مؤتة

أعد رسول الله جيشًا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي حتى ذلك الحين، وأوكل قيادته إلى زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب في حال استشهاده، يليه عبد الله بن رواحة، انطلق الجيش باتجاه منطقة الكرك جنوب الأردن، التي تبعد نحو 130 كيلومترًا عن عمّان، لكن المفاجأة كانت بانتظارهم، فقد وجدوا أنفسهم أمام قوة هائلة تضم مئتي ألف مقاتل من الروم وحلفائهم من القبائل العربية.

اندلعت معركة طاحنة في ساحة مؤتة استمرت ستة أيام، أظهر خلالها المسلمون صمودًا مذهلًا رغم الفارق العددي الهائل، استشهد زيد فحمل الراية من بعده جعفر الذي قاتل ببسالة حتى سقط شهيدًا، ليتولى عبد الله بن رواحة القيادة، فشجع الجيش على الثبات حتى لقي ربه، عندها برز اسم خالد بن الوليد الذي أمسك بزمام الأمور في اليوم السابع وأثبت عبقريته العسكرية الفذة.

كما كان على خالد إيجاد مخرج للجيش بأقل الخسائر، فابتكر خطة بارعة، حيث أمر عددًا من جنوده بالخروج ليلًا خلف الجبال ثم العودة فجرًا محدثين ضجة كبرى بالتكبير وإثارة الغبار، ليعطي الانطباع بوصول تعزيزات جديدة، كما قام بتبديل مواقع الجيش فجعل الميمنة ميسرة والمقدمة مؤخرة، مما أدى إلى إرباك الروم وبث الخوف في صفوفهم، وعندما اشتد القتال، قاد هجومًا جريئًا على قلب جيش الروم وكاد يصل إلى قائدهم، قبل أن ينفذ انسحابًا تكتيكيًا منظمًا في اليوم السابع، اعتقد الروم أن الأمر مجرد خدعة فلم يجرؤوا على ملاحقة المسلمين، وهكذا عاد الجيش إلى المدينة المنورة بأقل الخسائر بعد سبعة أيام من القتال الشرس في أرض العدو، مخلفًا 13 شهيدًا فقط.

عند وصول الجيش إلى المدينة، استقبلهم بعض الأطفال بالحجارة، منادين إياهم بالفارّين لأنهم انسحبوا أمام جيش يفوقهم عددًا، لكن النبي حسم الأمر بخطابه الشهير حين قال، ليسوا بالفرّار بل هم الكرّار إن شاء الله، في إشارة واضحة إلى شجاعتهم وإشادة بحسن تدبيرهم للمعركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى