وطنيات

مفاخر النصر..المشير عبد الغني الجمسي روميل سيناء

وصفته جولدا مائير بـ”النحيف المخيف”.. مهندس حرب أكتوبر.. أحد أفضل قادة التكتيك العسكرى بالعالم..

مهندس حرب أكتوبر.. ثعلب الصحراء.. أستاذ المدرعات.. النحيف المخيف.. إنه المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في حرب أكتوبر المجيدة، الذى يعد أفضل من أضافوا للتكتيك العسكري على مستوى العالم بفضل براعته في التخطيط لحرب أكتوبر.

 

بعد هزيمة 1967، استدعى الرئيس جمال عبد الناصر، المشير محمد عبد الغنى الجمسى، وعندما التقت عيناهما راح الاثنان يبكيان بسبب هزيمة الجيش المصري، لكن لم يتمالك الجمسي نفسه، فصاح في وجه ناصر ليُحمّله وعبد الحكيم عامر المسئولية الكاملة عن ما حدث.

 

فخيم الصمت على المكان حتى قطعه الجنرال الذهبي عبد المنعم رياض، ليبلغ الجمسي في لهجة عسكرية صارمة أنه اختير مع فريق ليكونوا المشرفين على إعادة تدريب القوات المسلحة للاستعداد لجولة ثانية من المعركة لتزيل آثار نكسة يونيو، وما كان من الجمسي بعد أن جفّفَ دموعه، إلا أنه استدار للفريق عبد المنعم رياض ليقدم التحية العسكرية في إشارة واضحة على التزامه بالتكليفات العسكرية.

 

الجمسي الذي ولد في 9 سبتمبر 1921، كان يشغل في هذه الأثناء منصب رئيس أركان الجيش الثاني الميداني، ودفعته نكسة 5 يونيو إلى تقديم استقالته من الجيش المصري من تلقاء نفسه، ليفسح المجال لجيل جديد قادر على إزالة آثار العدوان، إلا أن الزعيم جمال عبد الناصر رفض الاستقالة لإدراكه كفاءة الجمسي العسكرية.

 

وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، عيّنه السادات رئيسا للمخابرات الحربية ثم رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة وكُلف بدراسة الأوضاع العسكرية ووضع خطة الحرب.

 

ظل الجمسى طويلا يدرس، وحين بدأ يضع ملامح الحرب لم يجد سوى “كشكول”، ابنته منى، ليدوّن فيه دون أن يدري أحد، أهم وأشرف “الحروف التي رُسِم بها التوقيت الأنسب للحرب على الجبهتين المصرية والسورية” وتحركات الجنود في قلب المعركة.

 

عكف الجمسي على دراسة جميع الظروف، وحدد الوقت، لم يتجاهل شيئا.. المد والجزر لقناة السويس.. وضع الشمس في مواجهة جنودنا ومواجهة جنود العدو.. فتحات النابالم وسبل سدها.. وضع القوات البحرية وإغلاق المضايق.. لم يترك أمرا للظروف.

 

رفع البطل كشكول منى الجمسي للرئيس أنور السادات دوّن على غلافه “كشكول هيئة عمليات القوات المسلحة”، فقرأه السادات وداعبه قائلاً: “ياه خطة وافية كل شيء في هذا الكشكول.. مَن يصدق أن كشكول طالبة في الابتدائية يضم خطة حرب العبور”.

 

وفي صباح السادس من أكتوبر وقف الجمسي بغرفة عمليات القوات المسلحة محلقا في الساعة والثواني تمر عليه دهرا، حتى جاءت الثانية مساء موعد العبور فصاح البطل، بدر.. بدر.. بدر.. بدر.. بدر..

 

صاح البطل بأعظم كلمة في التاريخ المصري المعاصر.. إنه اسم الخطة العسكرية لحرب أكتوبر المجيدة والتي شارك في وضعها مع قيادات القوات المسلحة بدر.. بدر.

 

وبعد صدام بين السادات والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة بسبب ثغرة الدفرسوار، عينه السادات رئيسا لأركان القوات المسلحة خلفا للشاذلي، وعلى الفور وضع الجمسي خطة لتصفية الثغرة عرفت باسم “شامل”، إلا أنها لم تنفذ بسبب قرار وقف إطلاق النار.

 

اختاره السادات ليكون رئيسا للوفد المصري للتفاوض حول فض الاشتباك يناير 1974 فيما عُرف بمفاوضات الكيلو 101 وكان مفاوضا عنيدا للغاية فرفض تقديم أي تنازلات للجانب الإسرائيلي.

 

التف عليه وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر الذي كان يرعى المفاوضات بنفسه واتصل بالرئيس السادات ونجح في إقناع السادات بسحب ألف مدرعة من الضفة الشرقية لقناة السويس وبسحب 70 ألف جندي مصري.

 

وعندما أبلغه كيسنجر بموافقة الرئيس السادات على ما يرفضه، صاح رافضا وأسرع واتصل بالسادات الذي أكد له موافقته وطالبه باستكمال المفاوضات، فعاد إلى الخيمة وعيناه تدمعان للمرة الثانية في حياته على انتصار وأرواح جنود تضيع على موائد مفاوضات السياسيين.

 

كتب كيسنجر عن هذه الواقعة في مذكراته وقال: نظرت للجنرال الجمسي وعينه تدمع وتعجبت وسألت نفسي: “أهذا الذي يدمع هو الذي أكد لي جميع جنرالات إسرائيل أنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من الجنرالات العرب.. أهذا الذي تسميه رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير النحيف المخيف؟!.

 

ووفقا لوزير الخارجية الأمريكي، فإن الجمسي رد له صفعة تحايله عليه بإقناع السادات بسحب بعض المدرعات والجنود المصريين من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية، وذلك بأن تعمد الجمسي إغفال ذكر المدافع المضادة للطائرات والمدافع المضادة للمدرعات في اتفاق فض الاشتباك وقام بنقل عدد من هذه المدافع للضفة الشرقية.

 

شهد للجمسي الجميع حتى أعداؤه، فقال عنه عيزرا وإيزمان أحد مفاوضي الجانب الإسرائيلي في مفاوضات الكيلو 101 إن الجمسي كان يرفض مصافحتهم أو إلقاء التحية عليهم وأنه في إحدى المرات بعد خروج الجمسي من خيمة المفاوضات أسرعت وراءه وتحدثت إليه قائلاً سيادة الجنرال بحثنا لك عن صورة وأنت تضحك فلم نجد ألا تضحك؟.. وكان رد الجمسي عليه نظرة ازدراء.

 

اختارت مجلة الدفاع الأمريكي مهندس حرب أكتوبر ورفيقه خلال رحلة الإعداد لحرب أكتوبر المشير أحمد إسماعيل علي، كواحد ضمن أفضل 50 قائدا عسكريا أضافوا للتكتيك العسكري بفضل براعتهم في التخطيط لحرب أكتوبر، كما ضمت الموسوعة العسكرية الصادرة عن البنتاجون كلا من الجمسي وإسماعيل بين أفضل 50 قائدا عسكريا في العصر الحديث.

 

وعقب وفاة المشير أحمد إسماعيل عينه السادات وزيرا للحربية حتى أكتوبر 1978، حيث عينه السادات مستشارا عسكريا وكان هذا القرار بسبب موقفه الذي رفض فيه نزول قوات الجيش المصري لقمع المتظاهرين المحتجين على رفع الدعم خلال مظاهرات 17 و18 يناير 1977.

 

ظل الجمسي صامتا طويلا لم يتحدث عن حرب أكتوبر وما حدث فيها وكذلك عن قرار الرئيس السادات بإقالته من وزارة الحربية، حتى دفع صمته الكاتب الصحفي حلمي سلامة إلى كتابة مقالة طويلة نشرت في مجلة آخر ساعة بعنوان “رسالة إلى المشير الجمسي ليس دائما الصمت من ذهب”.

 

وفي النهاية اقتنع الجمسي بكتابة مذكراته عن حرب أكتوبر، إلا أنه رفض الإساءة فيها للرئيس السادات، كما تحدث عن الخلاف بين السادات والشاذلي باحترام بالغ لكليهما.

 

ورحل الجمسي عن عالمنا في 7يوليو 2003 عن عمر يقارب 82 عاما في صمت، بعد أن حرر الأرض.. رحم الله مهندس حرب أكتوبر.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى