المعتضد بالله.. الخليفة الحازم الذي أعاد للخلافة هيبتها

ينحدر المعتضد بالله من سلالة العباسيين العريقة. فهو ابن الموفق بن المتوكل بالله. ويمتد نسبه إلى الخليفة الراشد والمنصور، مما جعله وريثًا لخبرة سياسية وعسكرية قوية.
من هو المعتضد بالله
بعد وفاة والده الموفق عام 278 هـ (891 م)، كان على الخلافة أن تختار قائدًا قويًا يكمل المسيرة. بادر الخليفة المعتمد على الله بتعيين ابن أخيه العباس. الملقب بالمعتضد بالله. في ولاية العهد الثانية بعد ابنه المفوض إلى الله. وبفضل ذكائه وخبرته العسكرية التي اكتسبها في مواجهة الزنج، تمكن المعتضد من تعزيز مكانته بين الجند وكبار الدولة. حتى أصبح المرشح الأبرز للحكم. لم يرضَ بأن يكون ولي العهد بعد المفوض. بل سعى ليكون الخليفة بعد المعتمد مباشرة، وهو ما تحقق بعد وفاة الأخير في 19 رجب 279 هـ (15 أكتوبر 892 م).
جاءت فترة حكم المعتضد مليئة بالتحديات والاضطرابات، لكنه أثبت أنه الخليفة المناسب لهذه المرحلة. انتهج سياسة الحزم والعزم، فسارع لإخماد الفتن فور ظهورها، وحرص على الاستقرار والعدل في أرجاء الدولة. من أبرز إنجازاته القضاء على تمرد بني شيبان في الجزيرة عام 280 هـ (893 م). الذين نشروا الفوضى واعتدوا على القرى والمدن. كما أنهى ثورة حمدان بن حمدون عام 281 هـ (894 م). الذي كان يسعى لتأسيس إمارة مستقلة. واستولى على قلعة ماردين. ولم يتوقف عند هذا الحد، بل واجه الخوارج في الموصل وقضى على زعيمهم هارون بن عبد الله الشاري عام 283 هـ (896 م).
تاريخه
في عهده، ظهرت حركة القرامطة التي مثلت تهديدًا خطيرًا للدولة العباسية. حيث بدأ حمدان قرمط نشر أفكاره في الكوفة عام 278 هـ (891 م). مستغلًا تعاطف العلويين مع دعوته الزائفة. ومع تصاعد خطرهم. كما ظهر أبو سعيد الجنّابي في البحرين عام 286 هـ (899 م)، وسيطر على هجر والبحرين، محولًا المنطقة إلى معقل لهذه الحركة التي استخدمت شعارات براقة لاستقطاب الأتباع.
ورغم كل إنجازاته العسكرية، لم يتمكن المعتضد من القضاء على القرامطة. إذ رأى أن هناك أولويات أخرى أكثر إلحاحًا، فانشغل بإخماد الفتن المباشرة داخل الدولة. وعلى صعيد آخر. كما شهد عهده نشاطًا للحركة الفاطمية، حيث بدأ ابن حوشب دعوته للمهدية في اليمن، بينما نشر أبو عبد الله الشيعي الدعوة الفاطمية في المغرب، مما مهد لاحقًا لقيام الدولة الفاطمية هناك.
لم يكن عهد المعتضد بالله مجرد فترة اضطرابات. بل كان مرحلة فارقة حافظت على وحدة الدولة العباسية. ورسخت قوة الحكم المركزي. وأثبتت أن العزم والحزم هما سلاح الحاكم القادر على حماية دولته من التمزق والانهيار.