فنون و ادب

محمود درويش: شاعر المقاومة والهوية الفلسطينية

أسماء صبحي 

محمود درويش، هو أحد أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب في القرن العشرين. ولد في قرية البروة بفلسطين عام 1941، وهي قرية تقع في الجليل الفلسطيني. وقد شهد درويش أحداث النكبة الفلسطينية في عام 1948، حيث كانت بداية رحلته مع اللجوء والشتات الذي أثر في تجربته الشعرية والفكرية بشكل عميق.

انتقلت عائلته إلى لبنان بعد تهجيرهم، مما جعل قضية فلسطين والمقاومة جزءًا لا يتجزأ من هويته الأدبية. كما كان لهذه التجربة دور كبير في تشكيل عالمه الشعري، حيث عبر في أعماله عن معاناة الشعب الفلسطيني. مسلطًا الضوء على قضيتهم وحقوقهم المشروعة في العودة والحرية.

نشأة محمود درويش الأدبية

منذ صغره، أظهر درويش اهتمامًا كبيرًا بالأدب والشعر، وكان يحلم بأن يكون له دور في التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني. وبدأ كتابة الشعر في سن مبكرة، وتأثر في بداية مشواره الأدبي بالشعر العربي التقليدي. ثم انتقل تدريجيًا إلى الأسلوب الحديث الذي ابتعد فيه عن القيود التقليدية للقصيدة العربية.

تأثر بالعديد من الشعراء العرب والعالميين، وامتزج شعره بالرمزية والإبداع. محاولًا في قصائده أن يربط بين الماضي والحاضر، وبين الواقع والخيال.

ومن بين أهم أعماله الشعرية “بطاقة هوية” و”سجل أنا عربي”. حيث أصبح هذان النصان من العلامات البارزة في الأدب العربي. وقد أدرجت بعض أبياته في المناهج التعليمية في العديد من البلدان العربية. فقد استطاع أن يُترجم معاناة الشعب الفلسطيني من خلال كلمات عميقة تنبض بالحياة والواقعية. كما كانت تتسم أعماله بالوعي الوطني والإنساني الكبير.

ويعتبر درويش شاعر المقاومة الفلسطينية، فقد سخر قلمه للتعبير عن قضايا شعبه ووطنه. كما كان شعره ينبض بأمل العودة والحرية في كل كلمة، وكان يعبر عن نضال الفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات. وكان له دور فعال في تعبئة الشارع الفلسطيني والعربي عبر قصائده التي أصبحت نشيدًا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في قصيدته الشهيرة “سجل أنا عربي”، والتي صاغ فيها صورة حية لمعاناة المواطن الفلسطيني في ظل الاحتلال. قال: “سجل أنا عربي، وأعيشُ بينَ يديكِ وأنتِ لا تقرئين. سجلْ.. أنا فلسطيني”. وتعد هذه الأبيات بمثابة هوية شعرية ونضالية حية لشعب فلسطيني لا يزال يناضل من أجل حقه في العودة إلى أرضه. ويجسد الإحساس بالوحدة والهوية التي لا تموت رغم التحديات.

ولم يكن شعره يقتصر فقط على الاحتجاج بل كان يحمل في طياته دعوة للأمل والصمود. ففي قصيدته “في حضرة الغياب”، التي كتبها بعد وفاة والدته، طرح قضية الوحدة الفلسطينية والحفاظ على الهوية وسط التحديات والمحن. وتعد هذه القصيدة من أعمق أعماله التي لامست مشاعر الفلسطينيين والعرب.

الشعر والتجديد الأدبي

كان درويش من الشعراء الذين ساهموا في تجديد الشعر العربي. فهو لم يتقيد بالشكل التقليدي للقصيدة، بل طور شكلًا شعريًا جديدًا يتناسب مع الواقع العربي والفلسطيني. كما استخدم الرمزية والمجاز في قصائده للتعبير عن أفكار عميقة ومعقدة حول الهوية الفلسطينية والوجود العربي.

كانت قصائده تحتوي على مزيج من الأسلوب الإنساني والفلسفي. وكان يمزج بين السياسة والشعر بطرق مبتكرة.

وقال في أحد مقابلاته: “الشعر ليس فقط وسيلة للإشارة إلى الواقع، بل هو وسيلة لصناعة الواقع”. كما كان لهذا الموقف تأثير كبير على الشباب الفلسطيني والعربي. فقد ألهمتهم قصائده للتمسك بالأمل والحرية في مواجهة التحديات المستمرة.

لقد كان محمود درويش أيضًا ناشطًا سياسيًا، حيث شارك في العديد من الأنشطة السياسية والثقافية التي تدعو إلى استقلال فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني. كما عمل في فترات مختلفة مع فصائل فلسطينية مثل “منظمة التحرير الفلسطينية”، وعاش في العديد من الدول مثل لبنان، فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية. ولم يكن شعره مجرد كلمات، بل كان أداة نضال سياسي وثقافي. وكان يناضل عبر كلماته في مواجهة الظلم، داعيًا إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بأدوات ثقافية وأدبية.

وقد كتب درويش العديد من المقالات والقصائد التي عبر فيها عن رؤيته لحل القضية الفلسطينية. كما كان ينادي بالسلام العادل والمساواة بين الشعوب، لكنه كان في الوقت نفسه يرفض الاستسلام أو التنازل عن الحقوق الفلسطينية.

وقال الدكتور ناصر السعيدي، أستاذ الأدب العربي في جامعة بيرزيت، إن محمود درويش لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتًا شعبيًا وثقافيًا للمقاومة الفلسطينية. لقد استطاع أن يعبر عن هموم الأمة في نصوص تحمل في طياتها الأسى والأمل في الوقت نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى