الطاهر بن عشور: رائد الإصلاح الفكري والديني في تونس
أسماء صبحي
الطاهر بن عشور، هو أحد أبرز العلماء والمفكرين في تاريخ تونس والعالم العربي في القرن العشرين. ولد في تونس العاصمة في 19 فبراير 1879، وكان ينحدر من أسرة علمية مثقفة، ما جعل بيئته الأولى محفزة لتوجهاته العلمية والفكرية.
درس في جامع الزيتونة، الذي يعد واحدًا من أعرق الجامعات الإسلامية في العالم. كما ظهرت مبادئه الفكرية منذ سن مبكرة، حيث تميز بتفوقه في مجالات عديدة مثل الفقه الإسلامي، والأدب، والتاريخ، والتفسير.
إسهامات الطاهر بن عشور
يعد “التحرير والتنوير”، تفسير القرآن الكريم الذي قدمه الطاهر، أحد أبرز أعماله. كما يعد هذا التفسير من التفاسير الحديثة التي ميزت نفسها بالجمع بين العلم والعقل من جهة. وبين الفهم التقليدي للشريعة من جهة أخرى.
كان بن عشور يسعى إلى تقديم تفسير يتماشى مع العصر الحديث. حيث كان يراعي التطورات العلمية والفكرية التي ظهرت في العالم الإسلامي في فترة حياته، مع الحفاظ على معايير الاجتهاد الفقهي السليم. وكانوفي تفسيره يسعى إلى إيضاح معاني القرآن الكريم بطريقة تبرز روحه الحقيقية..بعيدًا عن التشدد أو الغموض، وبأسلوب سلس يصلح للمثقفين والعامة على حد سواء.
لقد كان منهج بن عشور في التفسير يعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية: الوضوح، العقلانية، والموافقة بين النصوص القرآنية والمكتشفات العلمية المعاصرة. كما كان يرفض التفسير الحرفي لبعض الآيات، ويفضل التفسير الذي يعتمد على العقل والفهم العميق.
إسهاماته في الفكر الإسلامي
بعيدًا عن ميدان التفسير، كان الطاهر بن عشور أحد الأعلام في مجال الفكر الإسلامي المعاصر. حيث ارتبط اسمه بالحركة الإصلاحية التي اجتاحت العالم العربي في القرن العشرين. كما كان يعتقد بأن العالم الإسلامي بحاجة إلى تجديد شامل في مفاهيمه الفقهية والدينية. وهو ما دفعه إلى الدعوة لتطوير أساليب الاجتهاد الفقهي بما يتناسب مع متغيرات العصر. كما كان من المؤيدين للتعليم العصري، وقد طالب بإصلاح النظام التعليمي في تونس لكي يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، ويدمج بين العلم الديني والعلمي.
كان يرى أن الإسلام قادر على التكيف مع التحديات الجديدة التي يواجهها المجتمع. وأن المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى العودة إلى المبادئ الإسلامية الأصيلة بعيدًا عن الجمود والتقليدية. وفي هذا الإطار، دعا إلى تحديث الفقه الإسلامي لتلبية حاجات المجتمع من خلال الاجتهاد المستمر.
دوره في تطوير التعليم التونسي
كان الطاهر أحد أبرز مؤيدي التعليم الحديث في تونس. في الوقت الذي كانت فيه العديد من الدول العربية تشهد تراجعًا في جودة التعليم. وكان بن عشور يرى أن التعليم هو أساس النهضة، وأنه لا يمكن لأي أمة أن تحقق تقدمًا دون تطوير تعليمها. ولذلك، عمل على إصلاح المناهج الدراسية في تونس، وأسهم في نشر التعليم العصري في المدارس التونسية. كما كان له دور كبير في إرساء أسس التعليم الجامعي في تونس. وساهم في تأسيس العديد من المدارس التي تتبنى النظام التعليمي العصري.
ويقول الدكتور عادل قاسم، أستاذ الفقه في جامعة تونس، إن الطاهر بن عشور يعد من الشخصيات الفريدة التي استطاعت أن توازن بين التراث والتجديد. وقدم رؤية فقهية تواكب العصر دون التفريط في المبادئ الدينية الأساسية.