المزيدفنون و ادبكتابنامنوعات
أخر الأخبار

أقسام الشعر العربي على مر العصور

 

كتب: حاتم عبدالهادي السيد

لقد قسم نقاد الشعر القادامي الشعر العربي إلى نوعين : شعر مطبوع؛ وشعر مصنوع؛ أو شعر فطري وشعر متكلف مصنوع؛ لكن الصنعة غلبت علي الطبع في كثير من الأحيان عدا بعض الشعراء الذين كانوا يكتبون الشعر ويعتقدون أنه الهام ؛ أو وحي ينزل عليهم من قبل الجن والشياطين ؛ من وادي عبقر؛ أو وادي الجن؛ أو أن قوة خارقة تلهم الشاعر ما يريد قوله؛ لذا أصبحت للشعر قداسة خاصة لدي العرب؛ وكانت القبيلة إذا ولد بها شاعر فإنها تقيم الأفراح والليالى الملاح لمدة أربعين يومًا ابتهاجًا بالشاعر الذي سيرفع من شأن قبيلته بين القبائل؛ ويزود عنها إذا هجاها أحد الشعراء؛ كما سيمتدح أيامها وحروبها وغزواتها؛ وسَيُخلد ذكراها على مدي الأزمان والأيام . لذا كان الدخول إلي مضمار الشعر ليس بالأمر اليسير؛ وهذا ما حدا شاعرهم لأن يقول :

الشعر صعب وطويل سلمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه يريد أن يُعربة فيعجمه

كما ارتبط الشعر بضرب الدفوف والطبول والآلات الموسيقية؛ وظهر ما يُسمى ” الجوقة ” وهي الجماعة التى تنشد الشعر مقرونًا بالعناء؛ أو التى تردد المقاطع خلف الشاعر أو المغني؛ كما ظهر بعد ذلك ” القيان ” وهن الجواري اللاتي كن يغنين في بلاط الأمراء؛ وتصحبهن الراقصات اللاتي يرقصن علي ايقاعات الطبول والآلات الموسيقة المختلفة؛ كما أن بعضهم اتخذن بيوتًا للغناء والرقص – وهن قلائل – لكن القيان ظهرن في بيوت أصحاب الجاه والسلاطين والأمراء الذين أولعن تشبها – بالفرس والروم وملوك البلاد الأخري – في جلب القيان والغواني والمغنيات ليغنين لهم ولجوقتهم عبر مجالسهم؛ وسمرهم الليلي ؛ كما كانوا يلهون بالمجون وشرب الخمر ؛ بل والتلذذ بأطايب الحياة ونعيمها؛ وفتنها واغواءاتها الممتدة .

ولقد كانت للشعر مكانة خاصة سامقة؛ ومائزة؛- منذ ظهوره – مما حدا بالعرب لأن يقيموا أسواقًا للشعر؛ يعرضون فيها قصائدهم؛ كما كان لهم نقادهم الذين يُقيمون القصائد من حيث الجودة وجمال السبك والتخييل؛ والرقة والحسن والقبح؛ فكان هناك سوق عكاظ؛ وسوق ذا المجنة؛ وسوق ذا المجاز وغيرها؛ وكان امرؤ القيس؛ والنابغة والخنساء وغيرهم من كبار الشعراء يجلسون وسط السوق لتعرض عليهم القصائد ليقيموها ؛ كما كانوا يتبارون في القاء قصائدهم؛ واختيارالجيد منها ليُعلق على أستار الكعبة؛ بعد أن يكتبوها بماء الذهب؛ مما حدا بالشعر لأن يكون صناعة جيدة؛ فالأمراء والملوك كانوا يُقربون الشعراء من مجالسهم؛ ويجزلون لهم العطاء؛ وكان الشعراء يمتدحونهم ؛ ويتبارون في كسب رضاهم كذلك .

ولقد تنوعت المذاهب الفنية للشعر بتنوع البيئات العربية؛- وهذه أولى مظاهر التحولات – وكان لاختلاط العرب بالأعاجم من الفرس والروم وما حولهم تأثيرًا كبيرًا لدي نفوس الشعراء؛ كما كان للتجارة أكبر الأثر في احتكاك العرب بالأعاجم؛ وانتقال اللفة العربية والشعر والثقافة والفنون إلي البلاد التي كانوا يسافرون إليها عبر رحلة الشتاء والصيف؛ وعبر هجراتهم كذلك؛ ومن هنا نشأت أولى مقومات الحضارة والتمدين؛ رغم وجود العرب بالبادية بين ربوع الصحراء الملهمة؛ وبين أهوال الليل والعواصف؛ وبين مروج الصحارى والسهول والوديان والجداول فتأثر الشاعر بالبيئة الخشنة التي ظهرت في شعره؛ كما تأثر بالآخر الوافد إلى الجزيرة العربية للتجارة؛ أو من خلال التنقل بين المدن والبلاد المجاورة؛ وكل ذلك أكسب الشاعر العربي رؤية مغايرة، تضاف إلي أصالته؛ وبداوته العريقة كذلك .

وللحقيقة لقد كانت للعرب دولة للشعر عظيمة وشاهقة؛ وكان للغة العربية والبلاغة أكبر الأثر في صقل القريحة العربية؛ كما كان للبيئة دورها في ظهور أغراض الشعر من وصف ومدح وهجاء؛ ومن فخر وزهد ؛ ومن شعر رقيق يتغني بالمحبوبة بعد أن يصف الديار والأطلال؛ فغدا الطلل ؛والبكائيات من حوله ؛صورة نموذجية لبنائية القصيدة العربية التي تبدأ بالبكاء علي الأطلال؛ ووصف الديار و الناقة أو الجمل والحصان؛ ثم النسيب؛ والتشبب بالمحبوبة؛ ثم الدخول إلي الغرض من القصيدة ؛ ثم حسن التخلص والانتهاء؛ عبر الوزن والقافية واللغة الفنية الشاعرة التي تعارفوا عليها؛ والتي نسجوا علي منوالها أبدع القصائد التي تروي تاريخهم وأيامهم وحروبهم؛ بل وحياتهم العامة والخاصة وما لاقوه في يومهم من أهوال؛وغير ذلك . لذا استقي المؤرخو تاريخ العرب من الشعر؛ الذي هو ديوانهم والجامع لأيامهم وحياتهم ؛ حيث كان الشعر هو التاريخ؛ وهو دولة العرب الوطنية المدنية؛ والحضارية والثقافية كذلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى