كيف حافظت القبائل العربية على مكانتها من الجاهلية إلى اليوم؟
لطالما كان العرب يتفاخرون بالنسب والقبيلة، مستمدين هذا الفخر من الأفعال الطيبة والأخلاق الكريمة التي تسابقوا في إظهارها. كانت قبائل قريش مثالًا بارزًا في هذا الميدان، حيث تميزت بسقاية وإطعام الحجيج، وإكرام الضيف، وحماية المظلوم. وقد تجسدت هذه القيم النبيلة في حلف الفضول الذي وضع لإنصاف المظلوم وردع الظالم، بغض النظر عن نسبه أو مكانته. هذا الحلف الذي أيده النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه قائلاً إنه لو دعي إليه في الإسلام لأجاب، يمثل أحد أعظم مظاهر مكارم الأخلاق في الجاهلية.
مكانة القبائل العربية
وفي هذا الصدد قال د. محمود العمر العمور، أن عدد أفراد القبيلة كلما زاد زادت مسؤولياتها تجاه المجتمع، فهي نعمة من الله تستوجب الشكر والعمل على تحقيق العدالة والمساواة بين الناس. ولا شك أن القبائل العربية قد ضربت مثالًا يحتذى به في المسارعة إلى الأعمال الفاضلة، مثل إغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم. ومساعدة المحتاج، والأخذ على يد الظالم
.وهي بذلك تحمي نفسها من فتنة الكثرة والقوة التي قد تؤدي إلى الظلم والانحياز غير المبرر. وقد أكد الإسلام على أهمية العدل حتى مع الأقارب. حيث قال الله تعالى: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى”.
من يفتخر بأفعال أجداده وآبائه الطيبة، عليه أن يقتفي أثرهم ويسير على نهجهم في إظهار الأخلاق الكريمة والمبادئ العظيمة. وفي ظل ما تعانيه الأمة اليوم من ضعف وتفكك وظلم. فإن القبيلة التي تقف إلى جانب الحق وتعمل على وحدة الأمة بدلًا من تفريقها. لها الحق في أن تفخر بمواقفها. الغالبية العظمى من القبائل العربية لا تزال تقدم التضحيات وتبذل المال والنفس من أجل نصرة الأمة والحفاظ على هويتها.
على الصعيد الداخلي، لا يعتد بالفخر إلا للقبيلة التي ترفع راية العدل وتناصر الحق. وتغيث المحتاج، وتنصر المظلوم، وتحاسب الظالم والفاسد. حتى لو كان من أقربائها. القبيلة التي تتواضع للضعفاء وتذعن لحكم الله، بعيدًا عن الأحكام الجاهلية كالانتقام الممتد عبر الأجيال والجلوة الموسعة، هي القبيلة التي تُجسد المعنى الحقيقي للفخر. وقد جاء الإسلام ليؤكد هذه المبادئ، كما يظهر في قول الله تعالى: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ”. وفي موقف نبي الله يوسف عليه السلام عندما رفض أن يأخذ غير المعتدي بعقوبة الجرم قائلاً: “مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ”.