تاريخ ومزارات

مسجد قوة الإسلام في دلهي: جوهرة العمارة الإسلامية وصمود عبر العصور

يقف مسجد قوة الإسلام شامخاً في قلب دلهي القديمة كواحد من أبرز معالم الحقبة الإسلامية في الهند. جامعاً بين روعة العمارة الإسلامية وتأثير الفترات المتعاقبة من الحكم الإسلامي. كما يشتهر المسجد بمئذنته الشهيرة المعروفة بقطب منار، وهي الأعلى في شبه القارة الهندية، ما يجعله نقطة جذب دينية وسياحية لا مثيل لها.

يقع المسجد ضمن موقع تاريخي متعدد التسميات مثل قطب منار ومنطقة قطب ولال كوت. حيث تم بناؤه فوق هضبة مرتفعة، وفقاً لما ذكره الباحث سعد بن زيد بن محمد الحليبة في كتابه عن مساجد دلهي. تم تشييد المسجد على ثلاث مراحل، احتفظ ببعض معالمها رغم الدمار الذي لحق بجزء منها، ليبقى شاهداً على عظمة الحضارة الإسلامية في تلك المنطقة.

البداية مع الغوريين

عندما بسط الغوريون سيطرتهم على شمال الهند، أسسوا أول مسجد في دلهي عام 592 هـ. وأطلقوا عليه اسم قوة الإسلام، بأمر من قطب الدين أيبك، نائب السلطان معز الدين محمد بن سام. شيد المسجد على مساحة مستطيلة تبلغ 45 متراً من الشمال إلى الجنوب و67 متراً من الشرق إلى الغرب. واحتوى على صحن مستطيل تحيط به أربع ظلات بثلاثة مداخل رئيسة. تم بناء المسجد باستخدام حجارة من معابد قديمة، ما أدى إلى تنوع الزخارف بين نباتية وحيوانية وهندسية، مع وجود أضرحة وعمود حديدي في فناء المسجد.

توسعات في عهد إيلتمش

وفي هذا الصدد قال أستاذ التاريخ بجامهة مطروح محمد المصري، أن مسجد قوة الإسلام في الهند شهد في عهد السلطان إيلتمش إضافات معمارية مهمة. حيث وسع ظلة القبلة وأضاف ثلاث ظلات أخرى، لتزداد مساحته إلى 115 متراً من الشمال إلى الجنوب و85.5 متراً من الشرق إلى الغرب. كما أضاف إيلتمش مئذنة قطب منار إلى المسجد. حيث أصبحت ضمن بنيته بعد أن كانت خارجه في المرحلة الأولى. في هذه المرحلة، خطط السلطان ضريحه في الجهة الغربية من المسجد، وهو ما يزال قائماً كجزء من التاريخ المعماري للموقع. كما استمرت التوسعات في المسجد خلال عهود الخلجيين وآل تغلق واللودهيين بين 696 هـ و923 هـ، لكن الكثير من هذه الإضافات اندثرت بسبب الاعتداءات وزوال الحكم الإسلامي في الهند.

قطب منار: تحفة معمارية وهزة أرضية

تعد مئذنة قطب منار من أبرز معالم المسجد، ويبلغ ارتفاعها 72.5 متراً، مما يجعلها أعلى مئذنة في شبه القارة الهندية. تتكون من خمس طبقات تفصل بينها شرفات مزخرفة بالمقرنصات. وتحتوي على آيات قرآنية ونقوش هندسية ونباتية تعكس براعة الفن الإسلامي. شيدت الطبقات الأولى في عهد قطب الدين أيبك. وأكملها السلطان إيلتمش والسلاطين اللاحقون. تعرضت المئذنة لهزة أرضية في القرن التاسع الميلادي أدت إلى سقوط قبتها، وعندما حاول أحد القادة الإنجليز بناء قبة جديدة، تم هدمها لاحقاً لتعارضها مع التصميم الأصلي.

بقايا أثرية تروي التاريخ

رغم ما تعرض له المسجد من أضرار، لا تزال بعض معالمه صامدة، مثل الظلات المحيطة بالصحن من المرحلة الأولى. ومئذنة قطب منار من المرحلة الثانية. وبقايا الظلة الجنوبية والمئذنة غير المكتملة البناء علاء منار. إضافة إلى بوابة علاء دروازة التي تعود للمرحلة الثالثة. كما توجد مبانٍ ملحقة مثل ضريح السلطان إيلتمش ومدرسة علاء الدين الخلجي، على الرغم من تهدم معظمها.

يبقى مسجد قوة الإسلام شاهداً على ماضي دلهي الإسلامي وتنوعها الثقافي. حيث يدمج بين الفن المعماري والرموز الدينية ليقدم تجربة فريدة لكل من يزور هذا الموقع التاريخي الفريد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى