التركمان: تاريخ غني وتراث ممتد عبر العصور
التركمان، أو الترك، يشكلون إحدى أبرز المجموعات العرقية في منطقة الشرق الأوسط، إذ ينحدرون من قبيلة الأوغوز التركية التي يعود أصلها إلى جدهم الأكبر أوغوز خان. بدأت هجراتهم من وسط آسيا باتجاه الأناضول وشرق المتوسط. واستقروا في مناطق واسعة من سوريا. حيث قدر عددهم في البلاد بنحو 500 ألف نسمة وفق إحصاءات عام 1997.
تتحدث غالبية التركمان اللغة التركية العثمانية إلى جانب اللغة العربية، غير أن الاختلاط مع المجتمعات العربية أدى إلى انصهار ثقافي، حيث أصبح العديد منهم يتحدثون العربية فقط. خاصة في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب. كما تنتشر تجمعاتهم في مناطق مثل اللاذقية، باير بوجاق، حمص، حماه، إدلب، والرقة، بالإضافة إلى القرى المحيطة بنهر الفرات والبليخ، حيث كانت قبائلهم تسكن كجزء من سياسات الدولة العثمانية في إعادة توزيع السكان.
سياسة الإسكان العثمانية وتأثيرها على التركمان
مع بداية العصر العثماني، ظهرت سياسة الإسكان كحل للأزمات الناتجة عن الاضطرابات الاجتماعية والمذهبية والجفاف. حيث تسببت تلك العوامل في هدم القرى وتشريد الفلاحين الذين كانوا عماد الاقتصاد الزراعي للدولة. لذلك عمدت الحكومة العثمانية إلى توزيع القرى المهجورة على السكان الجدد. بما في ذلك التركمان، بهدف إعادة إحياء الأراضي واستثمارها زراعياً.
وفي هذا السياق قال مختار فاتح بيديلي باحث في الشأن التركي و أوراسيا، تمركزت القرى التركمانية في مواقع استراتيجية. منها الطرق المؤدية إلى الحج لحماية القوافل التجارية والدينية من هجمات قطاع الطرق. وفي مناطق الثغور لصد الغزوات القادمة من الصحراء. كذلك، استُخدمت بعض المناطق مثل الرقة كمنافي للقبائل المتمردة أو المثيرة للاضطرابات.
التراث المشترك بين تركمان سوريا والعراق
يشترك تركمان سوريا والعراق في التاريخ، الثقافة، اللغة، والتشكيلات القبلية. فقد هاجرت أعداد كبيرة منهم في أزمنة مختلفة إلى دول مثل إيران وتركيا والمشرق العربي. مما أدى إلى توزعهم في تجمعات صغيرة وكبيرة. وعلى الرغم من استعـراب بعض التركمان في المدن، لا تزال التجمعات الكبيرة، خاصة شمال حلب وشمال اللاذقية. كما تحتفظ بلغتها وانتمائها الثقافي.
جذور التركمان وامتدادهم عبر القرون
ترجع هجرة التركمان إلى شرق المتوسط إلى أواخر القرن السابع الميلادي، حيث اندفعت القبائل التركمانية من سهول تركستان بآسيا الوسطى باتجاه غرب آسيا. استقروا في مناطق التماس بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية، خاصة في شمال العراق وشمال آسيا الصغرى. ومع مرور الزمن، ساهم التركمان في تشكيل ملامح هذه المناطق ثقافياً واجتماعياً، ولا تزال آثار وجودهم واضحة في العديد من المجتمعات حتى اليوم.
استمرارية الهوية التركمانية
على الرغم من التغيرات التاريخية والثقافية، استطاعوا الحفاظ على جزء كبير من هويتهم عبر القرون. وقد أثرت رحلاتهم وهجراتهم على تشكيل مجتمعاتهم وتكيفهم مع البيئات الجديدة، مما يجعل تاريخهم الغني مثالاً على الصمود والتأقلم.