تاريخ ومزاراتحوارات و تقارير

في ذكرى رحيلها.. أسرار في حياة هدى شعراوي نصيرة المرأة التي انكرت حفيدتها لزواج ابنها من مطربة

أميرة جادو 

تمر اليوم الذكرى الـ 75 على رحيل الناشطة النسوية الكبيرة هدى شعراوى، إذ رحلت في 12 ديسمبر عام 1947، بالسكتة القلبية و هي جالسة تكتب بياناً في فراش مرضها ، تطالب فيه الدول العربية بأن تقف صفاً واحداً في قضية فلسطين.

ولدت نور الهدى محمد سلطان، في مدينة المنيا في صعيد مصر في 23 يونيو 1879، وهى ناشطة نسوية مصرية في مجال حقوق المرأة، وقومية، ومؤسسة الاتحاد النسوي المصري، تعد من أبرز الناشطات المصريات اللاتي شكلن تاريخ الحركة النسوية في مصر في نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.

تقول السيدة هدى شعراوي في مذكراتها كانت بداية نشاطها لتحرير المرأة، والذي بدأ أثناء رحلتها الاستشفائية بأوروبا بعد زواجها، وانبهارها بالمرأة الإنجليزية والفرنسية في تلك الفترة، وهناك تعرفت على بعض الشخصيات المؤثرة التي كانت تطالب بتحرير المرأة، وعند عودتها أنشأت هدى شعراوي مجلة “الإجيبسيان” و التي كانت تصدرها باللغة الفرنسية.

وكان لنشاط زوجها علي الشعراوي السياسي الملحوظ في ثورة 1919 وعلاقته بسعد زغلول أثر كبير على نشاطاتها، فشاركت بقيادة مظاهرات للنساء عام 1919، وأسست “لجنة الوفد المركزية للسيدات” وقامت بالإشراف عليها.

هدي شعراوي رائدة الدفاع عن حقوق المرأة

حضرت هدى شعراوي أول مؤتمر دولي للمرأة في روما عام 1923م، وكان معها نبوية موسى وسيزا نبراوي صديقتها وأمينة سرها.

وكتبت تقول :” كان من بين ما حققه مؤتمر روما الدولي أننا إلتقينا بالسنيور موسوليني ثلاث مرات، وقد استقبلنا وصافح أعضاء المؤتمر واحدة واحدة، وعندما جاء دوري وقدمت إليه كرئيسة وفد مصر عبر عن جميل عواطفه ومشاعره نحو مصر وقال إنه يراقب باهتمام حركات التحرير في مصر”.

مؤتمر الاتحاد النسائي

ولما عادت هدى من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي المذكور كونت الاتحاد النسائي المصري سنة 1927، وشغلت منصب رئاسته حتى عام 1947، كما كانت عضوا مؤسسا في “الاتحاد النسائي العربي” وصارت رئيسته في العام 1935، و بعد عشرين عاماً من تكوين هذا الاتحاد قامت بعقد ما سمي بالمؤتمر النسائي العربي سنة 1944م، و قد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة (26) واتخذت فيه قرارات في مقدمتها :

1 – المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب.

2 – تقييد حق الطلاق.

3 – الحد من سلطة الولي أياً كان وجعلها مماثلة لسلطة الوصي.

4 – تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء.

5 – الجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة و التعليم الابتدائي.

وفى نهاية القرارات اقتراح، وهو تقديم طلب بواسطة رئيسة المؤتمر إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تحذف نون النسوة من اللغة العربية.

كلماتها في المؤتمر النسائي الدولي

عقد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في استانبول في 18 إبريل 1935م و تكون من هدى شعراوي رئيسة و عضوية 12 سيدة – وقد انتخب المؤتمر هدى نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي وكانت تعتبر أتاتورك قدوة لها وأفعاله مثل أعلى.

وكتبت تقول في مذكراتها: وبعد انتهاء مؤتمر استانبول وصلتنا دعوة لحضور الاحتفال الذي أقامه مصطفى كمال أتاتورك محرر تركيا الحديثة، وفي الصالون المجاور لمكتبه وقفت المندوبات المدعوات على شكل نصف دائرة وبعد لحظات قليلة فتح الباب ودخل أتاتورك تحيطه هالة من الجلال والعظمة وسادنا شعور بالهيبة والإجلال، وعندما جاء دوري تحدثت إليه مباشرة من غير ترجمان وكان المنظر فريداً أن تقف سيدة شرقية مسلمة وكيلة عن الهيئة النسائية الدولية و تلقي كلمة باللغة التركية تعبر فيها عن إعجاب و شكر سيدات مصر بحركة التحرير التي قادها في تركيا.

و قلت: “إن هذا المثل الأعلى من تركيا الشقيقة الكبرى للبلاد الإسلامية شجع كل بلاد الشرق على محاولة التحرر و المطالبة بحقوق المرأة”، وقلت: “إذا كان الأتراك قد اعتبروك عن جدارة أباهم و أسموك أتاتورك فأنا أقول إن هذا لا يكفي بل أنت بالنسبة لنا “أتاشرق”، فتأثر كثيراً بهذا الكلام الذي تفردت به و لم يصدر معناه عن أي رئيسة وفد وشكرني كثيراً في تأثر بالغ ثم رجوته في إهدائنا صورة لفخامته لنشرها في مجلة الإجيبسيان” .

كما حضرت مؤتمر باريس عام 1926 و مؤتمر أمستردام العام 1927 و مؤتمر برلين العام 1927، و دعمت إنشاء نشرة “المرأة العربية” الناطقة باسم الاتحاد النسائي العربي.

حازت في حياتها على عدة أوسمة و نياشين من الدولة في العهد الملكى و أطلق اسمها على العديد من المؤسسات و المدارس و الشوارع في مختلف مدن مصر.

قصة الزواج السري

أم قصة الزواج السري الذي عصف بآل شعراوي، وأول قضية إثبات نسب أثارت الرأي العام ونقلتها الدراما السينمائية من خلال أحداث فيلم “فاطمة”.

لم يكن من السهل علي سيدة مثل هدى شعراوي بنت الحسب والنسب وتربية القصور‏، أن تقبل زواج ابنها من مطربة‏‏ ومطلقة ولديها أولاد‏، كما لم يكن من السهل عليها أيضا أن تقف في وجه هذه الزيجة وهي من داعيات التحرر والمساواة فأمام أول منعطف ظهرت تقاليدها الشرقية الصميمة واختفت دعوات التحرر و الانفتاح.

من هي فاطمة سري تلك المطربة التي قلبت حياة آل شعراوي رأسا على عقب ؟

السيدة فاطمة سري وهي مغنيه مصريه ولدت عام 1904 و، كانت من رواد شارع عماد الدين واشتهرت بالمسرح الغنائي وكانت مغنية مسرحيه في «فرقة الجزايرلي» واول مصرية غنّت اوبرا كاملة هي «شمشمون ودليلة»، ومن أشهر اغانيها (بدال ما تسهر على قهوة تعالى نشوي ابو فروة)، إلا أن شهرتها الحقيقية بدأت مع قصة زواجها السرى سنة 1924 من محمد بك شعراوي، ابن صاحبة العصمة هدى هانم شعراوي، هذا الزواج الذي أثمر عن ابنة واحدة هي “ليلى”.

بعد أن بدأت فاطمة سري تشعر بأعراض الحمل، فوجئت بزوجها محمد بك شعراوي يتبرأ منها ومن الجنين الذي في احشائها ولأن زواجهما كان عرفيا بدأت فاطمة سري بنشر قصتها في محاولة لإثبات نسب ابنها أو ابنتها.

كانت فاطمة تعلم جيدا أن هذا العمل قد يكون سبباً لحرمانها من طفلها إن تم الاعتراف بهذا النسب وهو ما حدث بالفعل حيث لم تر فاطمة ابنتها ليلى ولو مرة واحدة حتى وفاتها، لكنها لم تكن تهتم إلا بإثبات هذا النسب حتى تضمن لوليدها حياة كريمة ، لكن صاحبة الوضع الأصعب في هذه القصة كانت نصيرة المرأة هدى هانم شعراوي صاحبة الشعارات الرنانة والتي تنادي بحقوق المرأة والحفاظ عليها، فإذ بها تلقي كل هذا جانبا وتظهر وجها آخر للحماة القاسية والأم الشرقية التي لا تزال تحمل بداخلها العادات والتقاليد الصارمة.

الاعتراف بالزواج العرفي

وكانت المفاجأة والتي أسدلت الستار على القضية هي إقرار من محمد بك شعراوي يعترف فيه بزواجه العرفي من فاطمة سري : “أقرُّ أنا الموقع على هذا محمد على شعراوي نجل المرحوم على باشا شعراوي، من ذوي الأملاك، ويقيم بالمنزل شارع قصر النيل رقم 2 قسم عابدين بمصر، أنني تزوجت الست فاطمة كريمة المرحوم “سيد بك المرواني” المشهورة باسم “فاطمة سري” من تاريخ أول سبتمبر سنة 1924 ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين أفرنكية، وعاشرتها معاشرة الأزواج، وما زلت معاشراً لها إلى الآن، وقد حملت مني مستكناً في بطنها الآن، فإذا انفصل فهذا ابني، وهذا إقرار مني بذلك وأنا متصف بكافة الأوصاف المعتبرة بصحة الإقرار شرعاً وقانوناً، وهذا الإقرار حجة عليَّ تطبيقاً للمادة 135 من لائحة المحاكم الشرعية، وإن كان عقد زواجي بها لم يعتبر، إلا أنَّه صحيح شرعي مستوف لجميع شرائط عقد الزواج المعتبرة شرعاً”.

وأمام هذا الإقرار لم يكن بوسع المحكمة إلا أن تحكم عام 1930م لصالح فاطمة سري، بنسب ابنتها إلى أبيها محمد بك شعراوي، أي بعد ثلاثة سنوات من الخصام القضائي، وفي مشهد تراجيدي للغاية ممتلأ بالدموع والآهات سلمت فاطمة سري ابنتها إلى والدها محمد بك شعراوي ووالدته هدي هانم شعراوي.

كل هذه الأحداث التراجيدية هي ما جعلت الكاتب الراحل مصطفى أمين، ينقلها للسينما من خلال فيلم فاطمة لأم كلثوم، مع أنور وجدي عام 1947م، لكنه أراد أن يغير في نهاية الفيلم بعيداً عن نهاية القصة الحقيقية للحفاظ على جمهور السينما الذي كان قد تعود على النهايات السعيدة.

هدي شعراوي رائدة الدفاع عن المرأة، دافعت عن حقوق المرأة طوال حياتها وحينما تعرضت لأول اختبار وقفت في صف الرجل ضد المرأة فقط لأنه أبنها، فلتأخذ المرأة حقوقها كاملة مادام ذلك بعيداً عن “عتبة بيتي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى