الزبير بن العوام: الفارس الشجاع والحواري الأمين لرسول الله
الزبير بن العوام، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ورجل اجتمعت فيه البطولة والإيمان منذ نعومة أظفاره. وُلد الزبير في بيت من أشرف البيوت، فهو ابن صفية بنت عبد المطلب، عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج أسماء بنت أبي بكر الصديق. أسلم في سن صغيرة، ولم يتجاوز الست عشرة حين أضاء نور الإسلام قلبه.
كان الزبير رجلاً طويل القامة، خفيف اللحية، يجمع بين القوة والهيبة. منذ بداية دعوته، أظهر شجاعة لا مثيل لها، حتى قيل إنه أول من شهر سيفه في سبيل الله دفاعاً عن الرسول والمسلمين. وفي إحدى المواقف، عندما انتشرت إشاعة عن مقتل الرسول، لم يتردد الزبير في الامتشاق سيفه، وسار في شوارع مكة مستعداً للانتقام من قريش، لولا أن التقى بالنبي وأخبره بالحقيقة. دعى له الرسول ولسيفه بالغلبة، فكان بحق فارساً مقداماً لا يخشى المواجهة.
الزبير لم يكن مجرد مقاتل عادي، بل كان يُعتبر جيشاً في شخص واحد. فقد شارك في جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له دور بارز في معارك كبرى مثل بدر وأحد واليرموك. في معركة اليرموك، حين تقهقر بعض المقاتلين أمام جبال الروم، تقدم الزبير وحده متحدياً جحافل الأعداء، ضارباً بسيفه وسط صفوفهم، ثم عاد بنفس القوة والعزيمة. هذه الشجاعة والإقدام جعلته فارساً استثنائياً في تاريخ الإسلام.
كان الزبير من أكثر الصحابة ولعاً بالشهادة في سبيل الله. كان يقول: “طلحة يسمي أبناءه بأسماء الأنبياء، أما أنا فأُسمي أبنائي بأسماء الشهداء لعلهم يُستشهدون”. هذه الروح البطولية والتفاني في الدفاع عن الإسلام استمرت معه حتى مقتله، حيث لم يترك خلفه مالاً، بل ترك إرثاً من الشرف والتضحية.
رغم كل ما مر به الزبير، لم يتولَّ إمارة ولا جباية قط، إلا في الحروب مع النبي أو خلفائه. وعندما توفي، كان عليه ديون كبيرة، لكن ولده عبد الله، بحكمة وتدبير، سدد تلك الديون بأراضٍ ومال تركها الزبير خلفه، حتى أصبحت تركته عظيمة قُسمت بعد أربع سنوات من وفاته.
الزبير لم يكن فقط فارساً مغواراً، بل أيضاً راوياً للحديث النبوي، حيث رُوي عنه في مسند بقي بن مخلد ثمانية وثلاثون حديثاً، منها ما ورد في الصحيحين. تلك الأحاديث تُخلد ذكرى رجل عظيم كان سيفه يعلو لنصرة الحق، وكان قلبه ينبض بالإيمان والشجاعة.