في ذكرى ميلاد “الجورنالجي”.. محطات في حياة عملاق الصحافة محمد حسنين هيكل
أميرة جادو
تمر اليوم ذكرى ميلاد الأستاذ الكاتب الصحفي “محمد حسنين هيكل”، الذي رحل عن عالمنا في عمر الـ 93 عاما، وهو من أشهر الصحفيين العرب والمصريين في القرن العشرين، ساعد في صياغة السياسة في مصر منذ فترة الملك فاروق حتى وفاته في 17 فبراير عام 2016، فقد شغل العديد من المناصب الصحفية المهمة مثل رئيس تحرير جريدة الأهرام، تاركا خلفه إرثا ضخما من الكتب، وصل إلى ما يقرب من 40 مؤلفا عن أهم القضايا التي تهم العرب، باللغتين العربية والإنجليزية، والتي أثرت المكتبة السياسية العربية، واكتسبت رواياته مصداقية كبيرة.
ميلاد محمد حسنين هيكل
ولد في 23 من سبتمبر عام 1923، بحي الحسين بالقاهرة، كان والده تاجر الحبوب قد فرح بمولده، لكن فرحته كانت عادية تليق بمولود من الزوجة الثانية لرجل ترجع أصوله إلى ديروط بمحافظة أسيوط.
وكانت أحلام هيكل ككل أحلام الأطفال في سنه، ويحلم أن يصبح طبيباً، لكن ظروفه لم تسمح له بغير الدراسة في مدرسة التجارة المتوسطة، وهكذا لم ينل من أصبح ملء السمع والبصر (ولا يزال) تعليما جامعيا، وتلك نقطة في صالحه ولن تنقص من قدره.
بداية مشواره الصحفي
كان في الـ 19 من عمره ووقتها أيضا كانت الحرب العالمية الثانية قد اشتعلت وكان من قدر مصر أن تخوض رغما عنها حربا لا ناقة لها فيها ولا جمل.
ودرس هيكل بعد تخرجه في مدرسة التجارة المتوسطة، في القسم الأوروبي بالجامعة الأمريكية، حيث التقي للمرة الأولي سكوت واطسون الصحفي بجريدة الايجيبشيان جازيت أحدي المطبوعات الأجنبية لدار التحرير للطبع والنشر “الجمهورية” والذي ساعده في الالتحاق بالجريدة في الثامن من فبراير عام 1942, كصحفي تحت التمرين بقسم المحليات، حيث عهد إليه بأخبار الحوادث، وعمل أيضا كمراسل حربي للجريدة.
في ذلك الوقت كانت الايجيبشان جازيت هي المطبوعة الأجنبية الأولي في مصر، وكان من يكتبون فيها ملء السمع والبصر، منهم مثلا جورج أرويل ولورانس داريل ووايف كوري ابنة مير كوري مكتشفة اليورانيوم، أما رئيس تحريرها فكان كاتبا لا يقل قدرا عن هؤلاء هو هارولد إيرل.
بداياته مع قضايا بنات الليل
بدأ نجمه يلمع مع قضايا بنات الليل، ففيما كان هيكل يطرق أبواب مهنة الصحافة صحفيا صغيرا بـ “الايجيبشيان جازيت” مهمته جمع أخبار الجريمة، أصدر عبدالحميد حقي وزير الشئون الاجتماعية وقتها قراراً يقضي بإلغاء البغاء الرسمي، وسبب هذا القرار كان إصابة عدد من جنود الحلفاء بالأمراض التي انتقلت إليهم من فتيات الليل، فكان أن اتفق الإنجليز وحكومة الوفد علي إصدار القرار الذي أثار الجنود كما أثار فتيات الليل, كان الجميل يعرفون رأي الجنود الذين لم تكن تعنيهم الأمراض، وقد جاءوا إلى الحرب أي إلى الموت، لكن أحدا لم يكن يعرف رأي فتيات الليل، وتلك كانت مهمة الصحفي الصغير محمد حسنين هيكل.
تكليف جعل نجمه يلمع في سماء الصحافة
كان تكليف الجريدة له هو أن يلتقي بفتيات الليل ويحصل من كل منهم علي صورة يضعها علي استمارة الاستفتاء التي وضعتها الجريدة وطبعت منها 500 نسخة، كان علي هيكل ان يملأ خمسها، وهو ما نجح فيه بجدارة.
وهي القصة التي رواها بنفسه في العدد رقم 546 من مجلة أخر ساعة، فكتب ما نصه: “كنت اقضي فترة التمرين في “ايجيبشان جازيت”، وذات يوم جاءني سكرتير تحرير الجريدة وقال لي: “إن الحكومة تفكر في الغاء البغاء الرسمي وان الجرائد كلها تكتب في هذا الموضوع دون أن تحاول واحدة منهم أن تأخذ راي أصحاب الشأن الأول، وهم البغايا انفسهن.. وطلب مني يومها أن أقوم بسؤال مائة بغي عن رأيهن في الموضوع”، قائلا: “انه سيكون دليلا علي مقدرتي الصحفية اذا تمكنت من استفتاء مائة بغي.. وكانت مهمة شاقة.. ولكن المسألة كانت مسألة امتحان”.
وانتقلت إلى الحي الذي تستطيع ان تشتري فيه كل شئ، ودخلت اول بيت وأنا أفكر في الصيغة التي ألقي فيها السؤال، ولكن يبدو انني لم أوفق في اختيار الصيغة لأنني خرجت من البيت الأول مشيعا بسباب وصل إلي أجدادي حتي عهد الملك مينا، وحاولت.. وحاولت.. ولكن علي غير فائدة، وأخيرا أدركت عقم المحاولة، وبدأت أفكر بهدوء وأحسست أن ثقتي في نفسي بدأت تفارقني، والتفت فإذا مقهي قريب مني فذهبت اليه لاستريح وافكر، وفي اثناء جلوسي لاحظت وجود سيدة متقدمة في السن كان جميع من في المقهي ينادونها بـ “المعلمة” باحترام قل أن يكون له مثيل, ووثبت في ذهني فكرة، فتقدمت من السيدة وشرحت لها كل مهمتي، وأثبت لها ان مستقبلي كله يتوقف علي معاونتها لي، وفكرت السيدة قليلا ثم قالت لي: اقعد, وقعدت.
بعد لحظات نادت بعض النساء، وعقد الجميع مؤتمرا لبحث المسألة، وجلست انتظر النتيجة، وفجأة صاحت أحداهن: نادوا عباس, ومرت فترة ثم حضر شاب سمع المسألة ثم تقدم مني قائلا: “معاك كارنية” ولم يكن معي كارنية ولا خلافه، ولم يقتنع عباس، ولكن المعلمة اقتنعت قائلة: “ده باين عليه ابن ناس” وهززت راسي مؤكدا انني “ابن ناس” جدا فبدأت ترسل في طلب النساء من المنازل حتي أتاحت لي الفرصة أن اسأل مائة امرأة وأنا جالس في مكاني اشرب القهوة علي حساب المعلمة.
وبعد نجاح هيكل في المهمة الصعبة التي وكلت إليه، وكانت النقلة الأهم في حياته حين وقع عليه الاختيار ليذهب إلى العلمين التي شهدت اشرس معارك الحرب العالمية الثانية ليصف بقلمه وقائع تلك المعارك.
تألقه الصحفي
وبعدها دعته السيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة روز اليوسف إلى مائدتها ثم مجلتها ليصبح هيكل عام 1944 صحفيا في مجلة روز اليوسف والانتقال للعمل في مجلة أخر ساعة مع الاستاذ محمد التابعي.
وشهدت هذه الفترة بداية تألقه الصحفي بسلسلة تحقيقات عن خط الصعيد ووباء الكوليرا ليحصل علي جائزة الملك الراحل فاروق باعتبارها أرفع الجوائز الصحفية بمصر حينها.
جمع بين السياسة والصحافة
عني هيكل أيضا بالسياسة الخارجية، حيث شملت تغطياته حرب فلسطين وانقلابات سوريا وثورة محمد مصدق في ايران والنزاع في تركيا، وهو لا يزال يرتبط بعلاقات قوية مع معظم قادة العالم وكبار سياسييه.
وأصبح هيكل بعد ذلك مراسلاً متجولاً بأخبار اليوم وتنقل وراء الأحداث من الشرق الأوسط إلى البلقان وأفريقيا والشرق الأقصى حتى كوريا، ثم استقر في مصر عام 1951م حيث تولى منصب رئيس تحرير “آخر ساعة” ومدير تحرير “أخبار اليوم” واتصل عن قرب بمجريات السياسة المصرية.
اعتذر في المرة الأولى عن مجلس إدارة ورئاسة تحرير الأهرام وذلك في عام وفى عام 1956م، إلا أنه قبل في المرة الثانية وظل رئيساً لتحرير الأهرام لمدة 17 عاما، كما بدأ عام 1957م في كتابة عموده الأسبوعي بالأهرام تحت عنوان “بصراحة” والذى انتظم في كتابته حتى عام 1994م.
علاوة على، العمل الصحفي شارك هيكل في الحياة السياسية، حيث تم تعيينه وزيراً للإعلام في عام 1970، ثم أضيفت إليه وزارة الخارجية لفترة أسبوعين في غياب وزيرها الأصلي السيد محمود رياض.
أهم كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل
تتميز كتاباته بحرصه على دعمها بوثائق متنوعة وشهادات من صناع القرار ومن شهود العيان، رؤساء وملوك وساسة، وكذلك بما فيها وثائق من أجهزة مخابراتية، لذلك تعد كتبه من المراجع الرئيسية التي لا بد من العودة إليها في الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، وقد أصدر أبرز كتبه بعد 1974، ومن أهم مؤلفات الأستاذ، ما يلي:
- أكتوبر 73 السلاح والسياسة.
- اتفاق غزة – أريحا أولا السلام المحاصر بين حقائق اللحظة وحقائق التاريخ.
- أقباط مصر ليسوا أقلية رسالة إلى رئيس تحرير جريدة الوفد.
- مصر والقرن الواحد والعشرون – ورقة في حوار.
- 1995 باب مصر إلى القرن الواحد والعشرين.
- أزمة العرب ومستقبلهم.
- المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل – الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية.
- المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل – عواصف الحرب وعواصف السلام.
- المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل سلام الأوهام أوسلو – ما قبلها وما بعدها.
- المقالات اليابانية.
- الخليج العربي.. مكشوف تداعيات تفجيرات نووية في شبه القارة الهندية.
- العروش والجيوش كذلك انفجر الصراع في فلسطين قراءة في يوميات الحرب.
- بصراحة: أكثر من 700 مقال من يناير 1957 – يونيو 1990 (5 مجلدات من القطع الكبير).
- حرب من نوع جديد.
- العروش والجيوش 2 – أزمة العروش وصدمة الجيوش قراءة متصلة في يوميات الحرب (فلسطين 1948).
- كلام في السياسة قضايا ورجال: وجهات نظر (مع بدايات القرن الواحد والعشرين).
- كلام في السياسة عام من الأزمات ! 2000 – 2001.
- كلام في السياسة نهايات طرق: العربي التائه 2001.
- كلام في السياسة الزمن الأمريكي: من نيويورك إلى كابول.
- سقوط نظام ! لماذا كانت ثورة يوليو 1952 لازمة ؟
- الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق.
- استئذان في الانصراف رجاء ودعاء.. وتقرير ختامي.
- المقالات المحجوبة (نشرت في جريدة المصري اليوم).
- خريف الغضب: قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات.
- مدافع آية الله، قصة إيران والثورة.
- لمصر لا لعبد الناصر.
- عند مفترق الطرق، حرب أكتوبر ماذا حصل فيها وماذا حصل بعدها.
- مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان.
والجدير بالذكر أن للصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، أعمالا أخرى باللغة الإنجليزية، مثل “Secret channels, the inside story of Arab – Israeli peace negotiations” “القنوات السرية، القصة الداخلية للعرب، مفاوضات السلام الإسرائيلي”.