حفصة بنت سيرين.. المرأة التي عاشت بين الأكفان
في قلب حفصة بنت سيرين، كانت فكرة الموت ترافقها دومًا، إذ كانت تدرك أن الحياة لحظات محدودة، وبذهاب الأيام تقترب نهايتها. لهذا السبب، كانت تستعد للموت في كل وقت، وقد ذكِرَ أنها كانت تخزن لنفسها كفنًا، ترتديه في مناسك الحج وفي العشر الأواخر من رمضان، كأنه جزء من ثيابها اليومية.
من هي حفصة بنت سيرين
حَفْصَة، العالمة الزاهدة، قضت شبابها في طاعة وتقوى، وكانت تحث الشباب قائلة: “استغلوا شبابكم في العمل الصالح، فقد شهدت بنفسي قيمة العمل في هذه المرحلة من العمر”.
بعمر الاثنتي عشرة، تلقت حَفْصَة القرآن الكريم وتأملت في معانيه. وكان أخوها محمد بن سيرين يلجأ إليها في تفسير الآيات القرآنية العويصة، قائلاً: “اسألوا حَفْصَة عن قراءتها”.
كما عرِفت حَفْصَة بتقشفها وصبرها الجميل في عبادتها لله. فكانت تصوم كثيرًا وتقوم الليل طويلاً. تقضي وقتها في مسجدها بين الصلاة وتلاوة القرآن، ولا تغادر بيتها إلا لضرورة أو للقاء الطالبين لعلمها.
نشأت حَفْصَة في بيت العلم، وكان لها ستة إخوة، جميعهم كانوا يقرؤون القرآن ويتعمقون في الحديث. وكان حبها للعلم يدفعها للتضحية بكل غالٍ ونفيس، مؤمنة بأن العلماء هم ورثة الأنبياء. وكانت معروفة بتمسكها الشديد بتعاليم الإسلام الصحيحة وطاعتها لله ورسوله.
كما كانت حَفْصَة محدثة مرموقة، روت الحديث عن أخيها وغيره، وروى عنها الكثيرون. وقد توفيت في العام الثاني والتسعين للهجرة، وقيل في العام الحادي بعد المائة، وقد عاشت سبعين عامًا.
وفي “سير أعلام النبلاء” للذهبي، يُذكر:
“حَفْصَة بنت سيرين، الفقيهة الأنصارية، روت عن أم عطية وأم الرائح وأنس بن مالك وأبي العالية، وروى عنها أخوها محمد وقتادة وأيوب وخالد الحذاء وابن عون وهشام بن حسان. وقال إياس بن معاوية: لم أجد أحدًا أفضل منها، وقال: قرأت القرآن وهي ابنة ثنتي عشرة سنة وعاشت سبعين سنة. وقال مهدي بن ميمون: ظلت ثلاثين سنة لا تغادر مصلاها إلا لضرورة. وتوفيت بعد المئة”.