سيرة رباب بنت امرئ القيس ومسيرتها النبيلة..تفاصيل
في عالمنا اليوم، يعتبر تمثيل القيم الإنسانية والتصرف بالأخلاق الحسنة تحديًا يوميًا. ومن أجل بناء مجتمع يتسم بالتقوى والاستقامة، فإن السير في طريق الصالحات يعتبر أساسيًا. إنَّه عملية تربوية تسهم في تشكيل الشخصية وبناء السلوك الإيجابي. بترسيخ القيم والمبادئ النبيلة.
في عصر التابعين، برزت العديد من قصص النساء الفاضلات اللواتي تركن بصماتهن البارزة في تاريخ الأمة الإسلامية. وقد قام المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة بجهد كبير لتوثيق هذه القصص في كتابه “نساء في عصر التابعين” الصادر عن دار نشر ابن كثير. يركز هذا الكتاب على دور النساء في تلك الفترة الزمنية. وعلى الأحداث التي ترتبط بالدعوة الإسلامية وبحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. بين هؤلاء النساء البارزات يتألق اسم رباب بنت امرئ القيس، والتي عرفت بخيار النساء وأفضلهن.
بداية القصة
في مسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، تجمعت نخبة المؤمنين والصحابة الكرام حول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وعلي بن أبي طالب، وأولاده الحسن والحسين – رضي الله عنهما – لمناقشة انتصارات المسلمين في الشام.
في تلك الأثناء، دخل رجل غريب على المجلس، يتحلّى بسمات الشرف والسيادة، فاستقر بين يدي عمر، وحياه بتحية الخلافة، فاستفسر عمر عن هويته، فأجاب الرجل بأدب وتواضع: “أنا امرؤ نصراني أدعى امرؤ القيس بن عدي الكلبي”.
عرف عمر هذا الرجل، وبدأ يتساءل عن غايته، فأعلن امرؤ القيس رغبته في الإسلام، ففتح عمر له باب الدخول إلى الدين، وأسلم امرؤ القيس بن عدي الكلبي وقبل الإسلام بكل سرور.
رأى عمر في امرئ القيس خيرا، وقرر أن يعتمد عليه، فقدم له الدعم والتشجيع، ومنحه رمحا وأعطاه لواء لقيادة المسلمين المسلمين الذين أسلموا في الشام.
وقف عوف بن خارجة المري – وهو من الحاضرين – وعبر عن إعجابه، فقال: “والله، لم أر رجلاً لم يصل الله ركعة قط أمر على جماعة من المسلمين قبله!”
أصبح امرؤ القيس بن عدي الكلبي أميرًا من أمراء عمر، ورغم عدم خبرته بالإسلام، إلا أن عبقرية عمر وفراسته لم تخذله.
وقام عمر بتسهيل عقد النكاح بين امرئ القيس وأحد أبناء علي، وبعد أن جمعت كل الفضائل أمامه. اختار أمرؤ القيس الرباب بنت امرئ القيس لتكون زوجته. وكانت هذه الخطوة هامة في تاريخ الإسلام.
ومنذ ذلك اليوم، ارتقت شهرة الرباب بنت امرئ القيس إلى أعلى القمم. إذ تواجدت في أرفع البيوت في الدنيا، وكانت محاطة بأشرف الأخلاق والقيم الإسلامية.
مكانة الرباب بنت امرئ القيس
كانت الرباب بنت امرئ القيس، في عيون الناس وقلوبهم، من بين أفضل النساء وأبرزهن في الفضائل والوفاء والإخلاص. فلقد كانت فتاة تتمتع بالذكاء والفطنة.وتتحلى بالشعر والأدب. ونعم الله عز وجل عليها بالجمال والوضاءة، وتمتاز بمزيج فريد من الفضائل.
العلاقة بين الحسين والرباب
زواجها من الحسين بن علي. أحد أبرز الأشخاص في التاريخ الإسلامي. أثمر علاقة صالحة وثمرات طيبة. فولدت له ابنين، عبد الله الذي كان يُلقب بـ”يكنى”، وآمنة التي عرفت بـ”سكينة”. وكانت هذه الولادة سببًا في تعزيز المحبة والمودة بين الزوجين.
الحسين كان يحب الرباب بنت امرئ القيس بشدة، حيث كان يسكن إليها سكون المودة والرحمة، ويهتم بها بشكل كبير. لم يكن هذا الحب والاهتمام بالرباب وابنتها سكينة خيارًا عشوائيًا. بل كان يأتي من وجدان صاف ومن تربية ناضجة. فكانت الرباب من النساء اللاتي يعرفن قدر الأزواج وحقوق الزواج. وكانت تعيش حياةً متزنة ومتقنة، ولذلك متأسية بأخلاق البيت النبوي الشريف. الذي جعلها في مقام الرفاهية والسعادة.
وكانت هذه العلاقة بين الحسين والرباب تعكس صورةً مشرقةً للحب والتقدير، وكانت تظهر في قصائد الشعر والألحان التي كتبها الحسين للتعبير عن حبه العميق لها ولابنتهما سكينة، ولذلك مما يؤكد على عظمة هذه العلاقة وعمق مشاعرهما.
سيدات الرثاء
في أرض كربلاء المقدسة بالعراق، وفي لحظات الظلم والجور، كانت الرباب بنت امرئ القيس مع زوجها الحسين، ومعها نسوة بني هاشم الكريمات، منهن: زينب بنت علي، أخت الحسين، وابنتاه سكينة وفاطمة، وغيرهن من العقائل الشريفات.
نظر الحسين إليهن بتأمل ورعاية، ثم خاطبهن قائلاً: “يا أختاه، يا أم كلثوم، ويا زينب، وأنت يا سكينة، وأنت يا فاطمة”. ثم وجه كلمة مؤثرة لزوجته الرباب. حيث قال لها: “وأنت يا رباب. ولذلك إذا أنا قتلت فلا تشق إحداكن علي، ولا تخمش وجهاً، ولا تقل هجراً”.
فتحن النسوة جميعاً أجمات البكاء والحزن. وبعد ذلك أوصى الحسين الرباب بابنته سكينة. وعلى أرض كربلاء. استشهد الحسين – رضي الله عنه – في محرم سنة 61 هـ. امتلأت الرباب بالحزن والأسى على فقدان زوجها الغالي.
وجاء رثاء الرباب للحسين كصورة حية للزوجة الوفية التي تجسدت فيها كل معاني الوفاء لزوجها الشهيد، الذي كان قدوة في الفضيلة والنبل، فقالت: “إن الذي كان نوراً يستضاء به.. بكربلاء قتيل غير مدفون.. سبط النبي جزاك الله صالحة.. عنا وجنبت خسران الموازين.. قد كنت لي جبلاً صعباً الوذ به.. وكنت تصحبنا بالرحم والدين.. من لليتامى، ومن للسائلين، ومن يعنى. ويأوي إليه كل مسكين”.