“المسحراتي” منقذ الصائمين وراوي القصص الشعبية.. اعرف الحكاية
دعاء رحيل
يقترن المُسحِّراتي في ثقافتنا الشائعة بزمن السحور، والقيام بوظيفة إيقاظ النائمين لتناول الطعام قبل آذان الفجر، وتلك الصورة حديثة. وفي السابق كان المُسحِّر يقوم ببعض ما تقوم به وسائل الإعلام الحديثة، شأنه في ذلك شأن المقاهي التي كانت تمتلئ برواة القصص الشعبية، والتي كان يقصدها الرجال، بينما تبقى النساء في البيوت، يترقبن التسلية التي يقدمها المُسحِّر.
في كتابه عن المصريين وعاداتهم، في الفترة من 1832م إلى 1835. يتحدث “إدوارد وليم لين” صفحة 490 وما بعدها، عن ممارسات المصريين في شهر رمضان. حيث يتناولون الإفطار في منازلهم، ويمضون ساعة أو ساعتين أحيانا في منزل أحد الأصدقاء، ويرتاد بعضهم ـ خاصة أبناء الطبقات الدنيا ـ المقاهي في المساء، فيعقدون اللقاءات الاجتماعية أو يستمعون إلى رواة القصص الشعبية، ويقيم بعض العلماء حلقات الذكر في منازلهم كل ليلة، ويتدفق الناس إلى الشوارع خلال جزء طويل من الليل، كما تبقى محلات بيع الشربات والمأكولات مفتوحة.
وعن المُسحِّر يقول إدوارد وليم لين: لكل “خط” أو قسم صغير في القاهرة مسحر، ويبدأ المسحر جولاته بعد الغروب بساعتين تقريبا (أي بعد أداة صلاة العشاء)، ممسكا بشماله طبلا صغيرا يسمى “بازا” أو “طبلة المسحر” وبيمينه عصا صغيرة، أو سير من الجلد يضربه به، ويصحبه غلام يحمل قنديلين في إطار من الجريد ويقفان أمام منزل كل مسلم غير فقير.
في كل مرة يضرب المُسحِّر طبله ثلاث مرات. ثم ينشد قائلا: عز من يقول، لا إله إلا الله ثم يضرب بالطريقة نفسها. ويضيف قائلا: محمد الهادي رسول الله، ثم يعود إلى ضرب طبله ويواصل كلامه، وأسعد لياليك يا فلان مسميا صاحب المنزل. إذ أنه يستفهم من قبل عن أسماء سكان كل منزل، فيحيى كلا منهم، ما عدا النساء بالطريقة نفسها، فيسمى أخوة سيد المنزل وأولاده وبناته قائلا في الحالة الأخيرة: أسعد الليالي إلى ست العرايس فلانة، ويضرب طبله بعد كل تحية. وبعد أن يحيى الرجل أو الرجال يقول: ليقبل الله منه صلواته وصيامه وطيباته، ويختم بقوله: الله يحفظك يا كريم في كل عام.
المُسحِّر ينشد أمام منازل العظماء في أحوال أخرى أحيانا بعد أن يقول: – عز من يقول لا إله إلا الله، محمد الهادي رسول الله، أغنية طويلة في سجع غير موزون، يبدأ فيها باستغفار الله، ويصلى على الرسول. ثم يأخذ في رواية قصة المعراج وغيرها من قصص المعجزات المماثلة، ضاربا طبله بعد كل ثانية، ولا يقف المسحر على منازل الحزانى.
“المسحراتي راوي القصص الشعبية
كما قال محمد منعم الباحث في التراث، يتناول المُسحِّر على العموم من منزل المتوسط الطبقة قرشين أو ثلاثة قروش أو أربعة في العيد الصغير ويعطيه البعض مبلغا زهيدا كل ليلة.. وكثيرا ما تعمد نساء الطبقة المتوسطة إلى وضع نقد صغير، خمسة فضة، أو من خمسة فضة إلى قرش أو أكثر في ورقة ويقذفن بها من النافذة إلى المسحر، بعد أن يشعلن الورقة ليرى المُسحِّر مكان سقوطها. فيقرأ الفاتحة بناء على طلبهم أحيانا، أو من تلقاء نفسه، ويروى لهن قصة قصيرة في سجع غير موزون، ليسليهن، مثل قصة “الضرتين” وهي قصة مشاجرة امرأتين متزوجتين من رجل واحد، وبعض ما يرويه في هذه المناسبات بذئ، ويستمع إليه مع ذلك النساء في المنازل الحسنة السمعة.
ويتجول المُسحِّر قبل الإمساك بساعة ونصف تقريبا، ليوقظ الناس أو يذكرهم بتناول الطعام في المنازل التي أُمر بإيقاظها، فيقرع الأبواب وينادي حتى يسمعه سكان المنزل.
من الطبيعي أن تشتمل وقفته أمام البيوت على حوارات مختلفة، وأن تمتد وقفته بحسب قدرته على التسلية وقدرة أصحاب البيوت على العطاء المادي. أما في الفترة الأخرى فلا توجد علاقات حميمة، مجرد أشخاص غلبهم النعاس، وهو مجرد منبه أو جرس أو عصاه تقرع الأبواب بلا فنٍّ وجمال.