مسلم بن يسار: الفقيه الزاهد الذي تجاوز حكمة العصور
مسلم بن يسار، الذي وافته المنية في العام 100 هجريًا، كان مثالاً يُحتذى به في الفقه والزهد. يُعرف أيضًا بأبو عبد الله البصري، وكان مولى لبني أمية، ويُقال أيضًا أنه كان من موالي بني تيم، ومن موالي طلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه. نقل العلم عن عبادة بن الصامت، وإن لم يلتقِ به، وعن كبار الصحابة كابن عباس وابن عمر، وعن والده يسار، الذي قيل إن له صحبة، وعن أبي الأشعث الصنعاني وآخرين.
من هو مسلم بن يسار
تلقى عنه العلم جيل من العلماء كمحمد بن سيرين، الذي كان من أقرانه، وقتادة وثابت البناني وأيوب السختياني ومحمد بن واسع وغيرهم. أثنى عليه ابن عون بقوله إنه لم يكن هناك من يفضل عليه في عصره، ووصفه ابن سعد بأنه كان ثقةً وفاضلاً وعابداً ورعاً.
روى علي بن أبي حملة أن مسلم بن يسار زار دمشق، وقد قيل له: “يا أبا عبد الله، لو كان الله يعلم أن في العراق من هو أفضل منك لأرسله إلينا”، فأجاب: “ماذا لو رأيتم أبا قلابة؟”.
ذكر هشام عن قتادة أن مسلم بن يسار كان واحداً من خمسة فقهاء بارزين في البصرة. ونقل هشام بن حسان عن العلاء بن زياد قوله: “لو كنت أتمنى، لتمنيت أن أمتلك فقه الحسن وورع ابن سيرين وصواب مطرف وصلاة مسلم بن يسار”. وقال حميد بن الأسود نقلاً عن ابن عون: “لم أر في هذا المسجد حلقة تُنسب للفقه إلا حلقة مسلم بن يسار”.
الفقيه الزاهد
وفي حديث آخر، قال أيوب بن سويد عن السري بن يحيى عن أبو عوانة عن معاوية بن قرة: “كان مسلم بن يسار يحج كل عام ويصحب معه رجالاً من إخوانه، وفي عام تأخر حتى فاتته أيام الحج، فأصر على أصحابه الخروج، وعندما حل الليل عليهم، أصابهم إعصار شديد، لكنهم استيقظوا ليجدوا أنفسهم ينظرون إلى جبال تهامة، فشكروا الله على قدرته العظيمة”.
وفي موضوع القدر، قال مسلم بن يسار: “هناك واديان عميقان يسلكهما الناس، ولن يدركوا قعرهما، فاعمل كمن يعلم أنه لا ينجو إلا بعمله، وتوكل كمن يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له”.
وعندما وقعت الفتنة في زمن ابن الأشعث، قال ابن عون: “خف مسلم فيها وأبطأ الحسن، فارتفع الحسن واتضع مسلم، لكن في الآخرة قد يرتفعان معاً”.
وقال أيوب السختياني: “إذا أراد ابن الأشعث أن يُقتل الناس حوله كما قتلوا يوم الجمل حول جمل عائشة، فليخرج معه مسلم بن يسار”. وعن أبي قلابة، قال مسلم بن يسار: “الحمد لله أني لم أرم بسهم ولم أضرب بسيف، ولكن من رآني بين الصفين وقال إن هذا مسلم بن يسار لن يقاتل إلا على حق، فقاتل حتى قتل، فبكيت حتى تمنيت لو أن الأرض انشقت ودخلت فيها”.
وأضاف أيوب السختياني: “من القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث، لا أعلم أحداً قتل إلا وقد رغب عن مصرعه أو نجا إلا وقد ندم على ما فعل”. وعند وفاة مسلم بن يسار، قال سفيان بن عيينة: “وامعلماه”.