الزردة».. حفلة الصحراء النحر والشواء والطعام في قلب رمال مطروح
محمد بخات
البحر والصحراء والأجواء النقية.. أماكن تجسد سحر الحياة في مطروح تلك المحافظة الصحراوية الساحلية، التى يعشق أبنائها جمال الطبيعة، بل يرتبطون بها ارتباطا كبيرا، ويجدون أنفسهم خلال جلوسهم فى عمق الصحراء يأكلون ويشربون ويتسامرون.
وعلى الرغم من وباء كورونا الذى انتشر فى كل دول العالم ومنها مصر، إلا أن الشباب دائما ما ينظمون الرحلات الخاصة إلى الصحراء، للابتعاد عن المدينة بضخبها، والخروج إلى الأماكن الجميلة.
«نصار بحيرى» بن الحاج بحيرى العميرى، أحد عواقل عائلة عميرة من قبيلة «أولاد خروف» فى مطروح اصطحب مجموعة من أصدقائه وأبناء عمومته ونظموا رحلة خلوية «الزردة» إلى الصحراء فى مدينة النجيلة والتى تبعد عن مدينة مرسى مطروح ما يقرب من 70 كيلوا، وأخذوا معهم حولى «خروف» ونحروا الذبيحة ونصبوا الخيمة البدوية وسط الصحراء جنوب النجيلة.
ويبدأ الشباب فى طهى الأكلات البدوية الشهيرة وهى اللحمة الضأن والمكرونة المبكبكة، وتسوية اللحمة مع المكرونة ويطلق عليها البعض «مكرونة جارية» وتعنى مكرونة مملوءة بالصلصة والطماطم ويجرى تسويتها مع اللحمة فى حلة واحدة.
ويقسم الشباب أنفسهم مجموعات كل منهم يقوم بصناعة وعمل شىء، فبعضهم يتولى جمع الحطب، من الصحراء، وجذوع الزيتون، وأخرون مسئولون عن نحر الذبيحة، وتقطيعها وتجهيز اللحمة للوجبات الثلاثة على مدار اليوم، حيث يكون الإفطار بالعلاقة وهى الكبدة والكلاوى والقلب ويتم تقطيعها قطع صغيرة، وتسويتها مع البصل على الحطب، وبعض الشباب يتولى صناعة الخبز، من الدقيق، ويقوم بتسويته على الحطب، وتناوله طازجا مع الطعام، والبعض يقوم بتحضير السلطة والخضروات وتقطيعها، وغيرهم يأتون بالجراكن ويتوجهون لملىء المياه من الآبار وهو ماء السماء «ميه المطر» كما يطلق عليه أهالى مطروح.
خلية نحل تجدها فى الخيمة البدوية الجميلة المصنوعة من صوف الأغنام الطبيعى، على يد سيدات القبائل الماهرات، ويتشارك الشباب خلال الزردة بالعمل فى ظل الاستمتاع بالطقس الممتاز فى الصحراء مع سطوع الشمس، ومع صلاة العصر يحضرون طعام الغذاء من تقطيع لحوم الخروف البرقى ذو الطعم الطيب والنكهة الخاصة المتميزة عن غيره من اللحوم البلدى، خاصة وأنه يتغذى فى المراعى الطبيعية، ويطهون جزء منه مع المكرونة وآخر يستمتعون بشيه على الحطب، ويتجمعون على مائدة واحدة.
ولم تكن الزردة تستهدف تناول الأطعمة فقط، ولكن تتميز بالاستجمام بجوار آبار مياه الأمطار ، والجلوس وسط العشب والروائح الذكية من الورود والاستمتاع بالطبيعة الصحراوية الخلابة، مما ينعكس على صفاء النفس للإنسان، كما يتبادلون أطراف الحديث حول الذكريات والأعمال والتجارة وغيرها من العلاقات الإجتماعية والصداقة التى تجمعهم.
وعلى جمرات الحطب، يغلى براد الشاى الأحمر والأخضر ويتناولون الأخضر أولا بعد أكلة دسمة من اللحمة الضانى والمكرونة المبكبكة، واللحوم المشوية، كى تحرق الدهون، ليعقبها الشاى الأحمر الثقيل، ثم البراد المزود بنكهة النعاع الصحراوى، ومع غروب الشمس تتجسد الطبيعة بكامل أركانها فى أجواء شتوية يحتمى المتواجدون بنيران الحطب، حتى يأتى موعد العشاء والذى يطهون فيه اللحمة مع الأرز الأحمر بالطماطم والصلصة، وهى أكلات بدوية لا يعرفها إلا أبناء البادية، ولم يأكل منها أحد من أبناء القاهرة ووادى النيل إلا واستهوته مطروح وجذبته طعامها، كما تجذبه شواطئها ومزارتها السياحية والأثرية، وهدوئها ونقاء أجوائها، ومعاملة أهلها وأبناء قبائلها أصحاب الجود والكرم والذين يتمتعون بأخلاق الفرسان.