المفكر على محمد الشرفاء يكتب :العلاقات الزوجية
المفكر على محمد الشرفاء يكتب :العلاقات الزوجية
قال الله سبحانه وتعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم -٢١).
كيف تتوافق الرحمة مع ضرب الزوجة؟!، وقال الله أيضا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التغابن -١٤).
وقال الله سبحانه (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النساء (128).
وقال الله سبحانه (ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ) التفضيل لا يعني التشريف وإنما مقاصد الآية (التكليف) والقوامة وتحميل الرجل مسؤولية الرعاية للأسرة بما ينفقه من ماله لتأمين السكن الملائم وتكاليف المعيشة ومتطلبات الزوجة والأولاد من علاج وكسوة وتلبية متطلبات الأبناء من تعليم وتوجيه لتربيتهم تربية صالحة.
واستكمالاً للآية الكريمة قول الله سبحانه (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء (34) (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء (35).
فقد شرع الله سبحانه في الآية (128) من سورة النساء إذا خافت الزوجة من نشوز الزوج أو الإعراض عنها والامتناع عن أداء واجبات العلاقة الزوجية، فالله سبحانه يأمر كلا الزوجين في حالة نشوز من أي منهما اتباع طريق الصلح كما وصفه الله بالصلح خير, لذلك واستنتاجا من الآية (34\35) من سورة النساء والآية (128) من سورة النساء فالله يدعو الزوجين في حالة النشوز من أي طرف إلى اتخاذ سبيل الصلح لتعود العلاقة الحميمة الطبيعية بين الزوجين وتستقر الأسرة في أمن وسلام بعيداً عن المشاحنات والنكد والتلاسن، مما يؤدي إلى اهتزاز الاستقرار النفسي للأطفال وتأثيره على الصحة النفسية لهم، وما قد تشكله من نتائج سلبية في سلوكيات الأبناء، وفي مستقبلهم من إخفاقات، وفشل في دراستهم وفي حياتهم.
ولذلك فالتعامل مع الزوجة في حالة نشوزها بالضرب لا يمكن أن يتم تفسيره بالضرب المادي بأي وسيلة كانت وقول الله سبحانه (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ) فسر الفقهاء (واضربوهن) تفسيراً قاسياً بالضرب المادي لا يتفق مع دعوة الله للزوجين في الآيات المذكورة أعلاه باتخاذ طريق الصلح بينهما أفضل السبل لعودة العلاقة الطيبة بين الزوجين، إضافة إلى ما جعل الله بين الزوجين من مودة ورحمة، ولو تدبر المفسرون بمقارنة الآيات التي تدعو للصلح بين الزوجين وبالعفو والصفح والغفران للزوجة كما جاء في سورة التغابن (14) أعلاه فلا يستقيم معنى (واضربوهن) كما فسره الفقهاء بالضرب المادي إنما المقصود للمعنى الحقيقي لكلمة (واضربوهن) أنها تعني (واضربوا عنهن)، هو أن يضرب الزوج عن مباشرة العلاقة الزوجية- أي الامتناع عن قيامه بواجبه في المعاشرة الزوجية دون أن يترك فراشه ومضجعه، أما معنى كلمة (واهجروهن) تعني أن يترك الزوج مضجعه أو فراشه إلى مكان آخر يبيت فيه بعيداً عن فراش الزوجية إلى أن يصلحا أمرهما أو يتوسط بينهما أفراد الأسرتين ليسعوا في الإصلاح بينهما حماية لاستمرار العلاقة الطيبة بينهما من أجل رعاية الأطفال وتربيتهما تربية صالحة، أما كلمة (الضرب) نجد القرآن الكريم عرض أمثلة في كثير من الآيات باستخدام كلمة (ضرب) في عدة مواقف ومنها ما يلي:
(ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبدًا مَملوكًا لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ) النحل (75).
(أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) إبراهيم (24).
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) الزخرف (17).
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ) البقرة (26).
(كَذلِكَ يَضرِبُ اللَّـهُ الحَقَّ وَالباطِلَ) الرعد (17).
(وَيَضرِبُ اللَّـهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرون) إبراهيم (25).
(وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا) النحل (112).
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور (31).
(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الزمر (27).
تلك بعض الاستخدامات في الآيات القرآنية لكلمة (ضرب ومشتقاتها) توضح عدة معان في كل حالة، فلماذا لا يتخذها المفسرون والفقهاء مرجعية لإعادة النظر في تفسير كلمة (واضربوهن) لاستنباط معنى يحقق المصالحة بين الزوجين ولا يزيد الأمور بينهما تعقيدا في الحياة الزوجية، حيث أنه إذا استخدم الزوج معنى (الضرب المادي) بأي وسيلة كانت وما سيترتب على ذلك من رد فعل عنيف من قبل الزوجة، وما قد يتطور الأمر إلى استخدام آلات حادة بينهما قد تودي بأحدهما إلى ما لا يحمد عقباه سيجعل المشكلة بينهما أكثر استفحالاً في الوقت الذي فتح الله للزوج له أبواباً متعددة في التشريع الإلهي في القران الكريم من استخدام العفو والرحمة والغفران والصبر، كما قال الله سبحانه (وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النساء (25)، وقول الله سبحانه (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى (40)، وقول الله سبحانه (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى (43) فالله في تلك الآيات أعطى الزوج حق الاختيار في اتباع الأمر الإلهي في معاملة الزوجة بالعفو أو بالغفران وإصلاح العلاقة بينهما مما يساعد ذلك السلوك الراقي والمعاملة الحسنة للزوجة من قبل الزوج الحفاظ على استمرار العلاقة الطيبة بين الزوجين وحماية الأسرة من التفكك لرعاية الأطفال بتربيتهم تربية صالحة. وفي نفس الوقت اقتضت عدالة الله المطلقة مساواة الزوجين في التعامل مع أي منهما في حالة خوف الزوجة من نشوز زوجها أو نشوز الزوجة فقد أوصاهما الله بإتباع سبيل الصلح بينهما ولا ميزة لأي منهما على الآخر.
وإن ما تعنيه كلمة (واضربوهن) حيث أن الامتناع عن مباشرة العلاقة الزوجية يترك أثراً نفسياً على الزوجة، لتعيد النظر في موقفها من الزوج لتتحقق المصالحة ويعود الوئام بينهما حفاظاً على استمرار الأسرة لرعاية الأطفال لما يحقق لهم الاستقرار الهدف السامي لحماية الأسرة، والذي يعلو فوق كل تفاسير الفقهاء التي تتخذ طريق القسوة وتتفاعل مع اعتداد الرجل في فهم خاطئ في تفسير معنى كلمة ( الرجال قوامون على النساء) التي ظن المفسرون، بأن الله ميز الرجل عن المرأة، وما أدركوا مقاصد الآية الكريمة في قول الله سبحانه (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، حيث أن مقاصد الآية الكريمة هي أن يتحمل الرجل مسؤولية القوامة للأسرة برعاية الزوجة والعناية بالأولاد ومسؤولية الرجل عن حماية أهله وأبنائه بتحقيق الحياة الكريمة للأسرة بالإنفاق من ماله لتأمين السكن المناسب ومتطلبات الحياة من المأكل والسكن والرعاية للبناء من تعليم وعلاج، والحافظة على أمنهم وحمايتهم فما ذكرته الآية الكريمة ليس معناه رئاسة أو سيادة أو الحاكم الأوحد في أسرته، إنما هي مسؤولية تجاه أسرته كلفه الله بها لحمايتها ورعايتها وتأمين حاجتها، فالآية أكدت أن كلمة قوامون تكليفاً وليس تشريفا ليتعالى على زوجته ويتعامل معها كالعبدة يستخدمها كما يشاء دون أن يكون لها حقوق أو كرامة، والتي كرمها الله في القرآن بعشرات الآيات التي يؤكد التشريع الإلهي بها كيفية المحافظة على حقوق المرأة، وإن تحيز الرجال بتفسير خاطئ لمصلحة المفسرين الذكور تخدم أنانيتهم واستبدادهم، وتكشف عن نفوس مريضة بهوس السلطة والتسلط.
فليس من المستغرب عليهم أن يخدعون الناس بتلك التفسيرات المغرضة طالما أن الرجال ملكوا زمام التفسير والفتوى في الإسلام منذ مئات السنين، وأهملوا حق المرأة من المشاركة معهم في تفسير آيات القرآن الكريم ليتحقق التوازن بينهما والمساواة في الحقوق، ومن أجل استمرار العلاقة الطيبة بين الزوجين لاستكمال مسيرة الحياة الزوجية وتأثيرها على المجتمع من نتائج ايجابية لبناء الفرد الصالح الذي يساهم في تطور الوطن والمحافظة على أمنه وسلامته حتى لا يتحول سلوك الأبناء إلى سلوك شاذ وقد ينحرفون إلى طريق الضلال في حالة الانقسامات الأسرية، وما يعشونه مع والديهم من نكد وخلافات يومية، وضرب للزوجة على أتفه الأسباب ليمارس الرجال سلطتهم ورجولتهم على ضعف الزوجة وانكسارها وفقا للمفاهيم البالية ما قبل الإسلام وما يترتب على ذلك التصرف الجائر من الزوج من تأثيرات تلك على سلوكيات الأطفال، وما قد يصيبهم من الأمراض النفسية التي تؤثر في سلوكياتهم في المجتمع ويتجهون إلى طريق الانحراف واستقطابهم من قوى الشر لاستغلالهم للإضرار بالمجتمع وتهديدهم للأمن الاجتماعي وسلامته.
لذلك على كل من يسعى لمعرفة المعني الحقيقي لكلمة (واضربوهن) يتطلب التدبر في أهداف التشريع الإلهي ومقاصد آياته واستدعاء الآيات في الكتاب المبين التي تدعو الناس إلى تحقيق المصالحة والتسامح والعفو والدفع بالتي هي أحسن ليصل الباحث إلى حقيقة أهداف رسالة الإسلام في تحقيق السعادة للناس ووأد الفتنة بالمودة والرحمة وليس بالعداوة والقسوة ولنأخذ ما يبين لنا القران الكريم من صفات الله سبحانه في قول الله ( وَاستَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي رَحيمٌ وَدودٌ) هود (90) وقوله سبحانه ( إِنَّ رَبّي غَفورٌ رَحيمٌ ) يوسف (53).
إذا اتبع الإنسان واقتدى بالصفات الإلهية واتخذها سبيلا في تعامله مع زوجته وأبنائه ونورا يهديه إلى طريق السعادة والسلام الذي يحقق عودة العلاقة الزوجية، هو معرفة مقاصد الآيات، وما يقتضيه مراد الله للناس من أن يحقق للناس حياة طيبة وعيش كريم.
لذلك فالمعنى المنطقي لكلمة فاضربوهن، هو الامتناع عن المباشرة للعلاقة وليس الضرب المادي الذي ترضى به نفوس الفقهاء، الذين مارسوا أشد التمييز العنصري ضد المرأة، واستباحت حقوقها وأغفلوا حقها في التشريع الإلهي وحرمانها من حقوقها الإنسانية باستبداد الذكور في معاملة زوجاتهم أقل من العبيد ودون احترام لإنسانيتهن وحقوقهن التي فرضها القران الكريم لما يتفق مع التشريع الإلهي الذي ساوى بين الذكر والأنثى في قوله سبحانه (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ ) (النحل: 97).
فالله يدعو الناس جميعا لاتباع منهاجه في كتابه المبين بالرحمة قبل القصاص والعفو قبل الحكم والحسنة قبل السيئة والكلمة الطيبة قبل الكلمة النابية لأن المنهاج الرباني في القران الكريم يستهدف تحقيق السلام بكل شموليته في حياة الأسرة، وفي المجتمع، ونشر السلام بين الناس جميعا ليعيشوا حياة لا ينغصها نكد ولا حسد ولا حقد ولا كراهية، بل مودة ووئام وتعاون وسلام لتستمر العلاقة الزوجية المبنية على المودة والرحمة، تؤدي واجبها تجاه المجتمع الذي تعيشه والوطن الذي يحتضن أسرتها تقدم له مواطنين صالحين يساهمون في تقدمه وتطوره للارتقاء بالحياة الكريمة لكل أفراده.
إن المنهاج الرباني والتشريع الإلهي والقيم الأخلاقية النبيلة يستهدف صياغة شخصية الإنسان بالأخلاق القرآنية وصفات المؤمنين والتشريعات الإلهية لبناء المواطن الصالح، ليكون لبنة صالحة لبناء المجتمع الإنساني المتحضر الذي يساهم في تحقيق حياة كريمة لكل أفراد المجتمع ينشر السلام لتتنزل عليهم البركات على الدوام.