جامع آق سنقر: رحلة من الفخامة والفن إلى الترميم والحفاظ
دعاء رحيل
جامع آق سنقر هو مسجد تاريخي يقع في حي الدرب الأحمر في القاهرة، ويعتبر من أجمل وأهم المعالم الإسلامية في مصر. يتميز المسجد بطرازه المعماري الفريد وزخارفه الأزرقية الرائعة التي تغطي جدرانه وقبته. في هذا المقال، سنتعرف على تاريخ وعمارة وترميم هذا المسجد العظيم.
التاريخ
وفي هذا الصدد قال خالد سعد الخبير الأثري لـ صوت القبائل العربية، بُني جامع آق سنقر في عام 1347 ميلادية على يد الأمير شمس الدين آق سنقر السلاري، أحد أمراء الدولة المملوكية في عهد السلطان المظفر زين الدين حاجي. كان آق سنقر رجلاً ثرياً ونافذاً، وشغل مناصب عالية في الدولة، مثل شادّ العمائر السلطانية وأمير أخور. كان مولعاً بالعمارة والفنون، وأنشأ عدة مبانٍ ومشاريع في مصر وسوريا، منها قنطرة آق سنقر على الخليج الكبير، ودارًا جليلة وحمامين بخط البركة الناصرية. كما أنشأ بجانب المسجد مكتبًا لإقراء أيتام المسلمين القرآن، وحانوتًا لسقي الناس الماء العذب.
كما أوضح الخبير الأثري، سمّى المسجد باسم مؤسسه آق سنقر، ولكنه اشتهر أيضاً بالجامع الأزرق، نسبة إلى لون الزخارف التي تزيّن جدار القبلة من الداخل. هذه الزخارف هي من نوع القاشاني، وهو نوع من الفخار المزجج بالألوان المائية، والذي كان شائعًا في فترة المماليك. يحتوي جدار القبلة على 45 لوحة من القاشاني، تصور مشاهد من الطبيعة والحيوانات والزهور، بألوان زاهية تغلب عليها درجات الأزرق.
في عام 1652 ميلادية، تم تجديد المسجد بأمر من إبراهيم أغا مستحفظان، أحد كبار الأمراء الأتراك في عهد الدولة العثمانية. كان إبراهيم أغا رئيسًا للديوان المستحفظان، وهو دائرة حكومية مسؤولة عن تحصيل ضرائب التجارة. قام إبراهيم أغا بإضافة قبة ضخمة فوق صحن المسجد، وزخارف جديدة من نوع التيلكارى، وهو نوع آخر من الفخار المزجج بالألوان التركية. كما قام بإضافة مئذنة أسطوانية في الواجهة الغربية، ونقل ثورًا من جامع الخندق لتشغيل ساقية المسجد. سمّى المسجد باسمه إبراهيم أغا مستحفظان، ودفن في ضريح بجواره.
العمارة
يتبع جامع آق سنقر نمط المساجد الجامعة، وهو نمط شائع في العمارة الإسلامية، يتكون من صحن مفتوح محاط بأروقة ذات أعمدة. يضم المسجد خمس قباب، أكبرها قبة الصحن التي ترتفع على أربعة أقواس كبيرة. تزيّن القباب نقوش هندسية وزهرية، وتحمل على رؤوسها هلالات نحاسية. يضم المسجد أيضاً ضريحين، أحدهما لمؤسسه آق سنقر وابنه، والآخر لمرممه إبراهيم أغا. تتصل الضريحان بالمسجد بأبواب خشبية مزخرفة.
أحد أبرز عناصر المسجد هو منبره، وهو منصة خشبية تستخدم لإلقاء الخطبة في صلاة الجمعة. يتميز منبر المسجد بزخارفه المعقدة والملونة، التي تشكل رسومًا لكرمة عنب متفرعة. يحتوي المنبر على 14 درجة، وفوقها باب خشبي محفور بآيات قرآنية. يعتبر منبر جامع آق سنقر من أجمل المنابر في مصر، وأحد أثمن قطع الخشب في التاريخ.
الترميم
شهد جامع آق سنقر عدة عمليات ترميم على مر الزمان، لإصلاح الأضرار التي لحقت به نتيجة الزلازل والحروب والتآكل. في عام 2001 ميلادية، قامت هيئة الآثار المصرية بإطلاق مشروع لترميم المسجد بالتعاون مع منظمة الأغا خان للثقافة. استغرق المشروع حوالي 14 عامًا، وتضمن إصلاح الأساسات والأسقف والأرضيات والأبواب والشبابيك والإضاءة والتهوية. كما تضمن تنظيف وتثبيت وإعادة تلوين الزخارف الأزرقية، باستخدام تقنيات حديثة وخبراء متخصصين. تم افتتاح المسجد بعد الترميم في عام 2015 ميلادية، بحضور رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وولى عهد آغا خان الأمير كريم آغا.