كتابنا

إبراهيم علوش يكتب: أثر المصالحة السعودية-الإيرانية عربياً وحركة الالتفاف من القوقاز وتركمانستان

إبراهيم علوش يكتب: أثر المصالحة السعودية-الإيرانية عربياً وحركة الالتفاف من القوقاز وتركمانستان

 

حققت الدبلوماسية الإيرانية اختراقات حقيقية على جبهاتٍ عدةٍ في الفترة الأخيرة، كان من أبرزها المصالحة مع السعودية برعاية صينية، الأمر الذي وضع استراتيجية التحالف الصـهـ.ـيـ.وني مع بعض الأنظمة العربية لمواجهة إيران في مهب الريح، بحسب إعلاميين وشخصيات صـهـ.ـيـ.ونية رئيسية، وهو ما تحول بدوره إلى محفِّزٍ لمفاقمة غليان أزمة الكيان المؤقت، بعد تحول تلك المصالحة إلى ورقة في صراع المعارضة مع تكتل نتنياهو داخلياً، وإلى حجر عثرة في درب قافلة التطبيع “الإبراهيمي” خارجياً.

أطلقت المصالحة الإيرانية-السعودية بدورها بوادر انفراج مع الدول العربية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران أو التي خفضت مستواها عام 2016، على خلفية قطع السعودية علاقاتها بها، فإذ بالإمارات تعين سفيراً لها في طهران بداية الشهر الجاري، لأول مرة منذ 8 سنوات، وإذ بانفراجة نسبية تطرأ على علاقة إيران بالأردن، بالتوازي مع تقارير إعلامية عن توجه مماثل بالنسبة لمصر، التي انقطعت علاقاتها الدبلوماسية بإيران قبل أزمة 2016 مع السعودية بأمدٍ طويل.

حتى البحرين بدأ التواصل بينها وبين إيران لتحسين العلاقات واستئناف الرحلات الجوية. وكانت الكويت قد عينت سفيراً لها في طهران في آب / أغسطس الفائت. وسبق ذلك الكشف عن لقاءاتٍ جمعت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والملك عبدالله والرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية العام الفائت في عمّان.

لا يعني ما سبق إعلان وفاة مسيرة التطبيع “الإبراهيمي” مع العدو الصـهـ.ـيـ.وني طبعاً، ولكنّ الانفتاح السعودي على إيران من جهة، وسورية من جهةٍ أخرى، أثار جزعاً صـهـ.ـيـ.ونياً وأمريكياً. فإذا كانت بوصلة الاتفاقات “الإبراهيمية” جعلَ إيران، لا الكيان الصـهـ.ـيـ.وني، العدو الرئيس للعرب، فإن تطبيع العلاقات الرسمية العربية مع إيران يتناقض مع تلك السردية، بل يكاد يقوضها، في حين يعد تطوير علاقات الدول العربية مع إيران، حتى لو بقيت نقاط تناقض عالقةً معها في ملفاتٍ شتى، سيراً عكس التيار، أمريكياً و”إسرائيلياً”.

كما أن الحديث عن التحالف مع الولايات المتحدة والكيان الصـهـ.ـيـ.وني في مواجهة “الخطر الإيراني” لم يعد يؤخذ بالجدية ذاتها في ظل:
أ – انشغال الكيان الصـهـ.ـيـ.وني بذاته وبانقسامه عامودياً، وبحماية نفسه من ضربات المـ.ـقـ.ـاومة، وتقلص ميزتي الردع والضرب استباقياً، اللتين بنى عليهما استراتيجيته العسكرية العليا (من دون زوالهما).
ب – انشغال الولايات المتحدة في مواجهة روسيا والصين، وتقهقر حضورها عربياً، وتراجع قدرتها على الانخراط في حروبٍ تقليدية أو احتلالات مطولة، وتركها أفغانستان ثم أوكرانيا لمصيريهما.
ج – بروز خطر تذبذب السياسات الخارجية الأمريكية من نقيض إلى نقيض، من ترامب إلى بايدن مثلاً، وبالعكس، في ظل تزايد انقسامها الحاد داخلياً، وبالتالي عدم إمكانية الركون إليها حليفاً.
ج – الحمق الاستراتيجي لوجوه الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة من وزير المالية سموتريتش وخريطته للكيان الصـهـ.ـيـ.وني التي تضم الأردن وغيره، إلى التعدي على الأماكن المقدسة والممارسات الاستفزازية لإيتمار بن حمير.
د – عدم قدرة السعودية، ولا الإمارات من قبلها، على حسم معركة اليمن لمصلحتيهما، ما حوّل اليمن إلى بؤرة استنزاف وانكشاف لكلتيهما، وإلى ورقة ابتزاز سياسي للسعودية من جانب الديموقراطيين في الولايات المتحدة.

مشروع التطبيع “الإبراهيمي” يتراجع

ساهم ذلك كله في وضع “الإبراهيميين” العرب في موقفٍ حرجٍ لا يحسدون عليه، وساهم تالياً في إنتاج نزوع سعودي لانتهاج خطٍ فارقٍ عن مسار الإدارة الأمريكية، لا على صعيد إيران فحسب، بل على صعيد سورية أيضاً، وإنتاج النفط وتسعيره، والعلاقة مع روسيا والصين، وربما بيع النفط باليوان (الأمر الذي يعادل هزة زلزالية كبرى في عالم الدولار لو تحقق، سوى أنه لم يتأكد بعد على رغم ما تداولته وسائل الإعلام).

يذكر أن روسيا وإيران وأندونيسيا وفنزويلا تتاجر بالنفط مقابل اليوان فعلاً، وأن المصرفين المركزيين الروسي والصيني اتفقا، منذ عام 2017، على مبادلة النفط باليوان، وأن “بورصة شنغهاي الدولية للطاقة” أدخلت نهاية الشهر الفائت منتجاً مالياً جديداً هو “البترويوان” PetroYuan، الذي يتيح المتاجرة في عقود النفط باليوان. أما السعودية فلم تنخرط رسمياً بعد في تلك العملية بحسب المعطيات المتوفرة، وإن كانت استثماراتها المتصاعدة في الصين، ولاسيما في قطاع الصناعات البتروكيماوية، تعادل عملياً بيع النفط باليوان، لأن الاستثمار المباشر في بلدٍ ما يعادل شراء عملته.

لذلك، تسعى بعض مواقع اللوبي الصـهـ.ـيـ.وني في الولايات المتحدة الأمريكية حالياً لإعادة صياغة مفهوم العلاقة بين الكيان الصـهـ.ـيـ.وني والأنظمة العربية على قاعدة المصالح الاقتصادية، لا على قاعدة العداء لإيران، وعلى أساس إبقاء الخطوط التطبيعية مفتوحةً نتيجة “دواعٍ براغماتية”، بحسب هذا التوجه.

المقياس هنا هو النموذج المغربي، الذي يمحور التطبيع حول الاقتصاد، ما يتيح للشركات “الإسرائيلية” اختراق قطاعي الطاقة والمياه المغربيين، وإغراق المغرب بـ”السياح”، المنحدرين من المغرب أصلاً، وبالأسلحة “الإسرائيلية”. وهو خطٌ تطبيعي خطير استراتيجياً وأمنياً، سبق أيضاً أن أشهر إفلاسه التام كرافعة للاقتصاد الوطني، كما رأينا من تجربة التطبيع الرسمي العربي المديدة مع العدو الصـهـ.ـيـ.وني، من مصر إلى الأردن إلى السلطة الفلسطينية.

أما التطبيع الإماراتي مع العدو الصـهـ.ـيـ.وني، الذي بلغ مستوياتٍ قياسيةً خطيرة مؤخراً بعد أن فاق التبادل التجاري الـ2.5 مليار دولار عام 2022، ما عدا تجارة الخدمات (مثل السياحة) أو الاستثمار، والذي يفترض أن يتصاعد أكثر بعد أن دخلت اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين حيز التنفيذ في 1/4/2023، فيبدو أنه أكثر ثباتاً واستقراراً، لكن أفقه بات متلبداً بالغيوم أيضاً.

لقد تأثر مسار التطبيع الإماراتي سياسياً بـ:
أ – الإجراءات التصعيدية للحكومة “الإسرائيلية” الجديدة في فلسطين المحتلة وإزاء إيران، وعدم استقرار تلك الحكومة داخلياً، وعدم رغبة الإمارات بارتداد تصعيدها مع إيران عليها، الأمر الذي أسفر عن إلغاء زيارة نتنياهو إلى الإمارات (رغم ذلك، زار نفتالي بنيت الإمارات في 27/3/2023).
ب – المصالحة الإيرانية-السعودية، وما تردد في الإعلام الأمريكي و”الإسرائيلي”، ومفاده أن السعودية تطالب ببرنامج نووي خاص بها لقاء الدخول رسمياً في الاتفاقات “الإبراهيمية”، ما أثار التخوف غربياً وصـهـ.ـيـ.ونياً من أن تطالب الإمارات بـ”ثمن باهظ” أيضاً مقابل تطوير علاقاتها مع الكيان الصـهـ.ـيـ.وني، خصوصاً في ظل المنافسة السعودية-الإماراتية إقليمياً، والتي تفجرت عسكرياً في السودان مؤخراً، مع دعم كلٍ من القطبين لطرفي الصراع.

ثمة اختراق إيراني للاستراتيجية الصـهـ.ـيـ.ونية في الوطن العربي إذاً، وضع الصـهـ.ــ.ـاينة في حالة دفاعية ستزداد حرجاً مع تحسن العلاقات الإيرانية بالأردن ومصر، ومع سقوط فكرة “حشد الدول العربية ضد إيران” عملياً، ما لا بد من أن ينعكس إيجابياً حتى على الداخل اللبناني في تذليل عقدة الانتخابات الرئاسية وفي غيرها.

يضاف إلى ذلك انحسار الثقل الأمريكي إقليمياً أيضاً، لأنه لا يجوز أن ننسى أن السفينة الصينية هي التي حملت مشروع المصالحة الإيرانية-السعودية إلى بر الأمان، وقد أزاح انغماس الصين في مياه الخليج وزناً أمريكياً يعادل الحجم الذي احتلته الصين فيها، بموجب قانون أرخميدس.

تبين أيضاً أن القمة العربية-الصينية في الرياض، في كانون الأول / ديسمبر 2022، والتي احتجت طهران بشدة على بيانها الختامي، كانت مدماكاً أساسياً في تحقيق المصالحة السعودية-الإيرانية، تماماً مثل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين، والتي تعهدت الصين بموجبها باستثمار 400 مليار دولار في إيران خلال 25 عاماً، ومثل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، والتي وقعت خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى السعودية، ومثل تحول الصين إلى أكبر مستورد للنفط السعودي ولمنتجات الصناعات الكيماوية السعودية عالمياً، إذ كان على الصين تصديق أوراق اعتمادها سعودياً وإيرانياً بالكامل قبل طرح نفسها مرجعيةً وحكماً عادلاً.

حركة التفاف صـهـ.ـيـ.ونية وتركية من جهة “معبر زانغيزور” جنوب أرمينيا

على رغم تصاعد التطبيع الأذربيجاني والتركمانستاني مع الكيان الصـهـ.ـيـ.وني مؤخراً، وشعور إيران بالخطر نتيجة وضع سفارات وقواعد استخبارية صـهـ.ـيـ.ونية على مقربة من حدودها الشمالية، في ما عده مراقبون كثر حركة التفاف وإشغال “إسرائيلية” لإيران، فإن ما يجري هناك أكبر بكثير من أن يكون خطوة صـهـ.ـيـ.ونية جانبية على المسرح القوقازي والوسط آسيوي الواسع.

صحيحٌ أن وزير الخارجية “الإسرائيلي” إيلي كوهين افتتح سفارة للكيان الصـهـ.ـيـ.وني في تركمانستان في 20/4/2023، لا تبعد إلا 17 كيلومتراً عن الحدود مع إيران، وأن لقاءات كوهين في تركمانستان الغنية بالغاز، ذات الـ 6 ملايين نسمة، مع رئيسها سردار بردي محمدوف تناولت “توسيع العلاقات الاقتصادية لتشمل الزراعة والمياه والتكنولوجيا والدفاع عن الحدود”، وأن ثمة خلافاتٍ عميقة بين إيران وتركمانستان حول حصصهما من الوقود الإحفوري في حوض بحر قزوين، إلا أن الاختراق الصـهـ.ـيـ.وني لتركمانستان وأذربيجان لا يأتي تعويضاً عن فاقد “إسرائيلي” في الساحة العربية بمقدار ما يعبر عن مشروع أوسع لفتح جبهة مركزية في القوقاز وآسيا الوسطى في سياق تركي وأمريكي مناهض لإيران وروسيا والصين في آنٍ واحد.

تسربت تقارير، منذ عام 2012، عن إتاحة إذربيجان قواعدها الجوية للكيان الصـهـ.ـيـ.وني، الأمر الذي يتيح استخدامها في إطلاق طائرات مسيرة للتجسس على إيران، وفي إرسال فرق تخريب إلى الداخل الإيراني، بحسب “تايمز أوف إسرائيل” في 19/4/2023، والتي أضافت أيضاً أن القدرة على استعمال تلك القواعد يتيح استخدامها ضد المصانع النووية الإيرانية في حال قررت “إسرائيل” ضربها، وهو ما سارع السفير الإذربيجاني في “تل أبيب” إلى نفيه.

جاء تقرير “تايمز أوف أسرائيل” أعلاه على خلفية زيارة الوزير كوهين مجدداً إلى أذربيجان، قبل حلوله في تركمانستان، على رأس وفد من 30 صناعياً وتاجراً “إسرائيلياً”. وصرح كوهين قبل مغادرته باكو: “إن موقع أذربيجان جغرافياً عند حدود إيران يجعل من علاقتنا مهمة جداً وذات إمكانات كبيرة”.

يذكر أن أذربيجان افتتحت سفارة لها في الكيان الصـهـ.ـيـ.وني نهاية الشهر الفائت فقط، رغم العلاقات الممتدة والمتشعبة بين “الشريكين الاستراتيجيين”. ولمزيدٍ بشأن العلاقات الأذرية-الصـهـ.ـيـ.ونية، يمكن مراجعة مادة “مثلث إيران-أذربيجان-الكيان: الحياد ليس ممكناً”، في الميادين نت، في 7/4/2023.

المشروع الطوراني غطاءً للمشروع الصـهـ.ـيـ.وني في القوقاز وآسيا الوسطى

لكن البيئة التي سمحت للكيان الصـهـ.ـيـ.وني بالتسلل إلى أذربيجان وتركمانستان، على الرغم من كونهما دولتين مسلمتين، ومن كون أذربيجان ذات غالبية شيعية، هو المشروع الطوراني في القوقاز وآسيا الوسطى.

يحب الإعلام التركيز على “معبر لاتشين” الذي يربط الجيب الأرمني المحاصر في أذربيجان، أرتساخ، أو ما يعرف باسم “ناغورنو كاراباخ”، مع جنوبي أرمينيا في منطقة “زانغيزور”، وهو شريان حياة الجيب الأرمني المحاصر، والذي تصاعد التوتر بشأنه مؤخراً نتيجة وضع حواجز أذربيجانية عليه، وتحويل مساره بعد الاستيلاء على القرى الأرمنية الواقعة عليه.

لكنّ التحكم بـ”معبر لاتشين”، وأغلاقه، والتضييق على الأرمن في أرتساخ من خلاله، ليس سوى أداة ضغط لفتح معبر آخر يسميه الأتراك والأذريون “معبر زانغيزور”، وهو خط يربط بين أذربيجان في الشرق وبين إقليم نقشيفان (نخجوان) في الغرب، وهو جيب أذري يقع تماماً بين أرمينيا وإيران.

(أنظر إلى الخريطة المرافقة)

من يتأمل الخريطة جيداً، ولا فهم للتناقضات السياسية من دون قراءة الجغرافيا، يستطيع أن يرى بوضوح أن جنوب أرمينيا يمثل عائقاً جغرافياً-سياسياً لاتصال نقشيفان في الغرب بسائر أذربيجان في الشرق، وهي منطقة يعدها الأتراك أرضٌ محتلة أرمنياً.

الأمر الآخر، الذي لا بد من أن يلاحظه من يدقق في خريطة القوقاز جيداً، هو أن تركيا لديها شريط حدودي قصير جداً مع منطقة نقشيفان الأذرية، القابعة بين أرمينيا وإيران، يبلغ طوله 17 كيلومتراً فحسب، وأنها لا تستطيع المرور إلى أذربيجان، ما عدا ذلك، إلا عبر جورجيا أو أرمينيا أو إيران، وخصوصاً أن ذلك المعبر الحدودي القصير بين تركيا ونقشيفان يظل بلا فائدة من دون صلة وصل بين نقشيفان وسائر أذربيجان.

يحتاج المشروع القومي الطوراني، الطموح، لإقامة صلة وصل إذاً بين نقشيفان وبقية أذربيجان، ومن هنا الحديث الأذري والتركي عن “معبر زانغيزور”، أي عن إنشاء رابط أذربيجاني عبر جنوب أرمينيا.

ليس العائق هنا أرمنياً فحسب، بل إيراني، إذ إن المعبر المقترح مبدئياً، واسمه “معبر ميغري”، في أقصى جنوب أرمينيا، يحاذي حدود أرمينيا مع إيران تماماً، ويمكن أن يغلقها بالكامل لو تحققت السيطرة الأذرية عليه. وهذا يعني، فيما يعنيه:
أ – إمكان إغلاق ممر شمال-جنوب الذي يربط الهند بروسيا عبر إيران وأرمينيا، والذي يجري تشييده حالياً على قدمٍ وساق.
ب – ربط باكو بسكة حديد مع مدينة “كارس” في تركيا، ما يتيح إنشاء صلة وصل مباشرة بين تركيا وأذربيجان وتركمانستان عبر بحر قزوين، ومنهما إلى سائر الفضاء التركي.

ويمثل هذا الخط الثاني ضرورةً حيويةً للمشروع القومي الطوراني، ولتمدد تركيا شرقاً، تجارياً وسياسياً، كما يمثل تتمةً لنقل البضائع والوقود الإحفوري من آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر تركيا. فهو بذلك مشروع أمريكي أيضاً يمكن اعتباره تتمة لـ”الممر الأوسط”، الذي سبقت الإشارة، في مقالة أخرى في الميادين نت، أنه يبدأ من تركيا، ويمر من القوقاز، عبر جورجيا وأذربيجان، ليعبر بحر قزوين، ويجتاز آسيا الوسطى ويصل إلى الصين، وأنه سيتكوّن من سكك حديد وطرق تعبر من جورجيا، المتاخمة لتركيا، إلى أذربيجان، ومن ثم عبر بحر قزوين، وصولاً إلى الصين، إما عبر كازاخستان، وإما عبر تركمانستان، ثم أوزبكستان، ثم قرغيزستان.

كما أنه يمثل تتمة للمعبر اللازوردي Lapis Lazuli الذي يربط أفغانستان بتركيا عبر تركمانستان وأذربيجان وجورجيا.

تمر التجارة التركية إلى دول آسيا الوسطى حالياً عبر إيران، وهي الطريق الأقصر والأسرع والأرخص والأكثر أمناً بين تركيا وآسيا الوسطى (مقارنة بجبال شمالي القوقاز مثلاً). رغم ذلك، فإن تركيا لا يعجبها هذا الوضع لأنه يشعرها بالارتهان لإيران لو قررت قطع طريق آسيا الوسطى عليها. وفي عام 2014، تذرعت تركيا برفع إيران الجمارك على البضائع التركية إلى آسيا الوسطى من أجل تفعيل الطرق البديلة، التي لا تمر عبر إيران. وكانت تركيا قد تمكنت من التمدد تجارياً واستثمارياً في آسيا الوسطى بفضل العقوبات الغربية الصارمة على إيران.

لكن القصة لا تتمحور حقيقةً حول خط سير البضائع بمقدار ما تتعلق بالجغرافيا السياسية، فالتمدد التركي إلى آسيا الوسطى يعني اكتساب تركيا القدرة على مناطحة النفوذ الروسي والصيني فيها، لا الإيراني فحسب. أما تحقيق مثل ذلك الاختراق فيتطلب شطب جنوب أرمينيا أذرياً وسلخ شمالي غربي إيران عنها بذريعة أذريته، وهو ما يجري العمل عليه، تركياً وأذرياً وصـهـ.ـيـ.ونياً وأمريكياً، على قدمٍ وساق أيضاً.

إن تلك المنطقة مرشحة كي تكون صاعق تفجير لبرميل بارود كبير، إذا لم تتمكن إيران وروسيا والصين من ضبط اختراقات المشروع الطوراني جيداً بطريقةٍ أو بأخرى، لأنه الممر الحقيقي للمشروع الصـهـ.ـيـ.وني والغربي في القوقاز وآسيا الوسطى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى