من الريفية إلى الصعيدية.. قصص كفاح النساء في الحرب
من المرأة الفقيرة إلى الإمبراطورة الثرية، شاركت جميع السيدات المصرية من وجه بحري إلى قبلي في حرب السادس من أكتوبر، جنبا إلى جنب مع أبنائهن وأزواجهن وإخواتهن وأبناء الوطن، فكان الجميع على قلب رجل واحد في التضحية والعطاء، من لم تملك المال شاركت بالجهد والوقت والتبرع بالدماء للمصابين، كما شاركت الفنانات في جمعية الهلال الأحمر ، وقاموا بتنظيم زيارات للمصابين من الجنود لتحفيزهم على المواصلة والشد من أزرهم، ومنهم من نذرت حجها إلى الجنود، كما تبرعت الإمبراطورة فوزية بمعاشها للمجهود الحربي.
بنت الصعيد
دور المرأة المصرية لم يختلف في كل أنحاء مصر، ولأول مرة تخرج المرأة الصعيدية على التقاليد والعادات، وتركت المنزل والأولاد للمساهمة بأي قدر من الجهد تحتاجه المعركة، وذلك بعد الإعلان حينها عن التعبئة العامة للسيدات في الصعيد وشكلت محافظة بني سويف حينها تنظيما نسائيا.
وحولت نساء الصعيد منازلهن إلى لجانا للتوعية وتنظيم الاستهلاك ومحاربة السوق السوداء والقضاء على ظاهرة تخزين السلع التموينية، وتم تشكيل هذه اللجان على مستوى مراكز وقرى الصعيد بأكملها، لجمع التبرعات من ربات البيوت والفلاحات والطالبات والموظفات.
وأكثر من زوجة رجل مسؤول قررت المشاركة أيضا ومنهم زوجات المحافظين اللواتي تبرعن بشراء ملابس أو حياكتها يدويا وإعداد المأكولات وجمع التبرعات لإرسالها لهم، وقالت نوال فاروق حرم رئيس مجلس مدينة بني سويف في خبر نشر بجريدة الأهرام عام 1974، إن بعض السيدات حرصن على التبرع بالذهب والحلي الخاص بهن وببناتهن وتقديم أموال مدخرة للمشاركة بها في المعركة.
ست الأرض
لم تختلف مهام المرأة الصعيدة عن المرأة الريفية، حيث ساهمن بجهد حقيقي على طريقتهن الخاصة، ونظمت اللجان النسائية في القرى والمراكز، الجهود من خلال جمع التبرعات، وتوعية المواطنين، واستغلال مهارة السيدات في حياكة الملابس لصنع مجموعة كبيرة من البلوفرات والملابس الشتوية لتوزيعها على الجنود بدون مقابل.
بجانب دور الريفيات في حياكة الملابس، ساهمن بطريقة أخرى من خلال إعداد طعام يظل مع الجنود لفترة تزيد عن شهرا كاملا دون الحاجة إلى ثلاجة تحفظه من خلال تجفيف الخضروات والفواكه وطهي الخبز بالطريقة المعتادة في القرى وإعداد الوجبات ليتم إرسالها لهم بدون مقابل، فضلا عن رعاية أسر المجندين وأبنائهم في ظل غيابهم.
وتقدمت أكثر من 100 فلاحة بمحافظة الشرقية خلال 3 أيام فقط للتبرع بدمائهن للجنود، والتدريب على أعمال الإسعاف، وقالت نعمات سعداوي مقررة اللجنة النسائية في حوار قديم لها نشر بجريدة الأهرام في نوفمبر 1973، إنها قامت بإعداد سجل خاص للفلاحات بعد أن ازداد إقبالهن على التدريب والإسعاف وإعداد المشغولات والمأكولات.
الإمبراطورة تتبرع بمعاشها
فيما تبرعت الإمبراطورة السابقة فوزية بمعاشها للمجهود الحربي خلال معارك أكتوبر، حيث أرسلت الإمبراطورة السابقة إلى إدارة الأموال المستردة خطابا، تقول فيه إنها تتنازل عن معاشها الشهري وقدره 100 جنيه إلى المجهود الحربي، وفقا لما نشر في عدد الأخبار 4 نوفمبر 1973، هذا هو نص الخطاب الذي أرسله إسماعيل شيرين زوج فوزية، إلى فؤاد الدليل مدير الإدارة العامة للأموال المستردة:
“كلفتني حرمي السيدة فوزية أحمد فؤاد أن أحمل إلى سيادتكم رغبتها الصادقة في التنازل عن كامل معاشها الشهري إلى قواتنا المسلحة طوال مدة الحرب إسهاما منها على قدر طاقتها داعية الله أن يكلل جهادهم بالنصر المبين”.
الخنساء الثانية
طلبت السيدة شفيقة عبدالسلام شاهين، الأم الريفية من مركز سندوب بمحافظة الدقهلية، ذهاب أولادها الثلاثة إلى ساحة القتال، وعندما قال أحدهم لها “يا أمي أنتي سيدة تخطى عمرك 60 عاما بحاجة لنا”. كان ردها «أرض بلادي أحق بدماء أبنائي.. ما يحتاجه الوطن أكبر مما يحتاجه أي فرد فينا»، ذهب أبنائها الثلاثة للمشاركة في الحرب، فالتف حولها أهل القرية لتلبية احتياجاتها.
في زمن لم يتوافر فيه الهاتف، كانت تمر الساعة كعام كامل، ولكنها كانت مطمئنة وقالت: “ما داموا هم في جبهة القتال فأنا مطمئنة.. ولو كان عندي ابن رابع لأرسلته إلى ميدان القتال”، وحاورها محرر جريدة “الأخبار” في عدد بتاريخ السابع من نوفمبر 1973، وقالت إنها ليست أقل من الخنساء التي وهبت كل أولادها وزوجها للجهاد.
وكان قد حارب ابنها الأكبر في عام 1967، وعاد منها وكان في كل زيارة يؤكد لها أنه كرس حياته لخوض أي حرب أخرى، ووصلها بالفعل خطابا من ابنها الأكبر يطمئنها عليه: “أرجو يا أمي أن تكوني سعيدة بأبنائك الثلاثة.. لقد كنت أنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر لأثبت لك أنني مثل كل جنود مصر الأبطال”.
التف أهالي القرية حولها لقراءة الخطاب واحتفلوا لاطمئنانها على أبنائها الثلاث، وكان لها موقف آخر حين حضرت ابنتها لها وهي تبكي حزنا وقلقا على أشقائها الثلاثة، صفعت الأم ابنتها وقال: “لو استشهدوا كلهم مفيش دموع.. أنا ولدت رجالة”، ولم يذكر مصير أبنائها الثلاث.
نذر عزيزة حلمي
من المعروف أن الفنانات أيضا في هذه المعركة، حيث انضم 4 فنانات إلى الهلال الأحمر وهن فاتن حمامة، نادية لطفي، تحية كاريوكا وهالة فاخر للإقامة مع أعضاء جمعية الهلال وزيارة أبطال القوات المسلحة من الجرحى وتقديم الهدايا لهم، فضلا عن زيارة أسر الجرحى وعائلات الشهداء.
أما الفنانة عزيزة حلمي التي اشتهرت بتمثيل دور الأم في السينما والتليفزيون، فقد نذرت خلال حرب عام 1967 أنه يوم عودة الأرض مجددا ستبيت في جبل الطور، واعتبرت أن هذا النذر سيتحقق إذا سافرت للحج والدعاء للجيش المصري، ولكنها سافرت عمرة وبعد عودتها قررت المكوث في جبل الطور الذي كان قد ضاع، كما أنها كانت عضوا قديما في الهلال الأحمر منذ عام 1967 وقضت أغلب وقتها فيه لخدمة المعركة.