ما هي أسباب تكوين الأحلاف وكثرتها في القبائل المعاصرة؟
إن الأصل في تكوين القبائل الحديثة ذات الفروع، والبطون الكثيرة هو الحلف وغالب هذه البطون تحتفظ بأنسابها بالرواية الشفوية، كما يوجد الكثير من الأسباب الكثيرة التي أدت إلى تكوين الأحلاف، وكثرتها في القبائل المعاصرة الكبيرة.
أسباب تكوين الأحلاف
1- سهولة الحلف عند العرب، وقد كان موجودًا في الجاهلية غير أنه كان قليلاً بخلاف العصور الحديثة، وكان الغالب في الأحلاف الحديثة أن يذبح الحليف شاة يسمونها شاة الحلف ثم يدخل في القبيلة ويُعدّ منها.
2- ما قامت به دولة القرامطة الباطنية الحاقدة على العرب من مذابح جماعيّة مروعة خاصة سكان نجد والحجاز، وأطراف الشام، فقد قاموا بتخريب القرى، وإبادة العشائر الذين طالتهم أيديهم من عام 280ه، واستمرت «تسعين سنة» تقريبًا وقد أتوا على الأخضر واليابس، ونشروا الرعب والذعر بين الناس، مما سبب نزوحًا لمعظم سكان نجد، والحجاز الذين نجوا من مذابحهم؛ ولا أستبعد أن هناك قبائل أبيدت بأكملها، فقد وأفادنا التاريخ أنهم في سنة 319ه دمروا بلدة الربذة، وأبادوا سكانها، ولم تعمّر حتى اليوم، بعد أن كانت بلدة عامرة.
3- القحط الشديد الذي يحصل في الجزيرة خاصة نجد والحجاز، مما يجعل غالب القبيلة البدوية تنزح، ويبقى لها باقية تضطر إلى محالفة غيرها لصعوبة الحياة، ومع طول الزمن وانتشار الجهل، قد تنسى القبيلة أصولها التي تنتسب لها.
4- كثرة الطواعين والأوبئة والأمراض الفتاكة لانعدام العناية الصحيّة مما يسبب ضعف القبيلة، وقلتها فيجعلها تتحالف مع غيرها لتثبت وجودها، ومن يقرأ التاريخ يجد كثرة الطواعين، والأوبئة التي أودت بحياة كثير من الناس.
5- كثرة الحروب الأهلية بين القبائل، أو بين القبيلة نفسها، فالبدو يتحاربون لأتفه الأسباب و« صغير الأمور يجني الكبيرا ». قال القطامي التغلبي:
وأحيانًا على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا
وهذا السبب من أهم الأسباب لتكوين الأحلاف وكثرتها، وحيث إن المسألة مسألة حياة فتضطر القبيلة القليلة إلى محالفة قبيلة قليلة أخرى، أو محالفة قبيلة كبيرة قويّة، ومع مرور الزمن قد تضعف القبيلة القويّة وتكثرالقبيلة القليلة، وكل ينسى قبيلته التي تفرع منها.
6- انعدام الأمن بين البوادي، وضعف سيطرة الدول على القبائل في الصحراء، فكل قبيلة تسعى لمن يساعدها وينضم إليها، ويكثر سوادها وعددها فالقبائل في حاجة إلى قوة تحميها، وتقوي شوكتها، وقد يبرز الحليف حتى تكون له الرياسة في القبيلة وتكثر ذريته، ويُضعِّفون الانتماء للقبيلة الأم؛ لأنهم ليسوا منهم.
7- قد يكون التكوين من عدة أفخاذ -من قبائل شتى لحاجة كل فخذ إلى الأخرى ويُسمّون باسم المكان الذي تجمعوا عنده، أو باسم أحد الفروع، أو باسم جدٍ يلتقون فيه ولو كان بعيدًا، أو بصفة كالظفر والمناصرة، والمعاونة، فيصبح هذا علمًا عليهم.
8- قد يكون سبب الحلف الخير والتعاون على فعل الخير كما حصل في حلف الفضول بين بعض فروع قريش في الجاهلية وهذا قليل جدًا.
9- كثرت هجرات القبائل العربية من نجد والحجاز خاصة إلى العراق والشام ومصر وأفريقيا وهناك قبائل هاجرت بأكملها في القرن الأول ثم الثاني فاختفت أخبارهم بعد القرن الثالث مثل: بني أسد وغطفان عدا بعض أشجع الذين بقوا حول خيبر، واندمجوا مع قبيلة عنزة لما حلت عليهم في القرن الثالث.
ومن أشهر الهجرات هجرة بني هلال بن عامر بن منصور، وسليم بن منصور إلى مصر ثم شمال إفريقيا وقد اهتم المؤرخون بأخبارهم لشهرتها، وأثرها في التاريخ العربي، ولا شك أن هناك هجرات عربية كثيرة لم تدون في التاريخ مثل قبائل مذحج والأزد، وكنانة.