“قصر مكرم باشا عبيد بقنا”من بيت زعيم لركام.. يعود تاريخه لحقبة الأربعينيات من القرن الماضي
دعاء رحيل
منذ تعرض قصر مكرم باشا عبيد بمحافظة قنا، أحد رموز الوطنية المصرية في القرن العشرين وأحد أقطاب حزب الوفد المصري، للهدم بمعرفة ملاكه الجدد، لا يزال المصير المجهول ينتظر ما تبقى منه.
في سنة 2013، تعرض القصر التاريخي الذي يقع في قلب مدينة قنا، في محيط مديرية الأمن، والذي يعود تاريخه إلى حقبة الأربعينات من القرن الماضي، لمحاولات محوه بما يحمل من قيمة تاريخية ومعمارية بارزة، من قبل ملاكه الجدد، ووفق مصادر فأن هناك محاولات حثيثة ـ كانت تتم على مراحل، لهدم القصر المبني على مساحة 6 قراريط لبناء برج سكني بدلا منه. فقد تقدم أحد مفتشي الآثار التابعين للآثار الإسلامية والقبطية ببلاغ إلى الشرطة، يتهم فيه الملاك الذين اشتروا القصر بمحاولة هدمه وحرقه تمهيدًا لإزالته، واكتشف المسؤولون وجود عبوات وقود داخله بغرض حرقه وإتلافه تهميدًا لحرقه وإزالته بعد ذلك.
مقر مدرسة سيدي عمر الابتدائية
وبُين أثريون، أن القصر المملوك لعائلة مكرم عبيد يعود تاريخه لحقبة الأربعينيات من القرن الماضي، وأنه كان يستخدم قبل إخلائه، كمقر لمدرسة سيدي عمر الابتدائية، وأنه تم تسجيله ضمن المباني ذات الطراز المميز التي يجب أن تحافظ عليه الدولة سنة 1999 ومعه 27 مبنى آخر بمدينة قنا وحدها، وفق حصر منطقة آثار قنا، وأن قرار هيئة الآثار ـ في ذلك الوقت ـ تم الطعن عليه قضائيا وانتهى الأمر بعدم دستوريته، وقررت “الآثار” عدم الإشراف عليه منذ عاميين، بعد أن ظلت تشرف عليه لمدة 8 سنوات.
وأشار الآثريون أن القصر التاريخي تم بيعه من قبل ورثة مكرم عبيد في أربعينيات القرن الماضي، وأنه كان مؤجرًا لوزارة التربية والتعليم منذ ذلك التاريخ، حتى قام الملاك برفع دعاوي قضائية لإخلائه وانتهى النزاع القضائي لصالح الملاك الذين قاموا بشراء القصر من أسرة الزعيم المصري.
زخارف الباروك في قصر مكرم باشا عبيد
وفي هذا الصدد كشف الباحث وائل نصر الله، أن القصر له قيمة معمارية وتاريخية، وهو أحد العمائر الأثرية ذات الطراز الذي شاع استخدامه في القرن الماضي في قصور الوجهاء والساسة في عهد أسرة محمد علي، مردفًا أن قصر مكرم عبيد تم بنائه على الطراز الأوروبي ويتكون من طابقين وفناء متسع وتوجد به تفاصيل معمارية مميزة مثل البرافانت، والأعمدة ذات الطراز الكورنثي، والمداخل الرخامية، وأن السلم الرئيسي على الطراز “المروحي” وأنه زين بزخارف خشبية علي طراز “الركوكو” و”الباروك”.
وعن زخارف أسقف قصر مكرم باشا عبيد أورد نصر الله أنها تنوعت ما بين زخارف بنائية وذات موضوعات ـ رسومات ـ مسيحية ويشمل بعضها رسم للسيد المسيح، وهو يمسك بيديه الإنجيل، وأن مبنى القصر يحتوي على سلمين أحدهما لأصحابه والآخر للخدم. وأن القصر هو أحد ثلاثة مباني مملوكة لأسرة مكرم عبيد بقنا ومنها مبنى سفينة دوس، وآخر ملاصق له، وكاتدرائية مار مرقس بشارع مصطفى كامل.
وفي السياق نفسه كشفت مصادر بـ”الآثار” رفع تقرير لهيئة الآثار قبل سنوات يطالب بتحويل قصر مكرم عبيد ومعه مستشفى “حميات قنا” و”استراحة الملك فاروق” التي كانت تستخدم كمقر لكلية التربية التابعة لجامعة جنوب الوادي، ولكن الهيئة ـ في ذلك الوقت ـ لم تتخذ الإجراءات لتحويلهم إلى آثار، ما أصبح يهدد بهدمهم في أي وقت.
شهد ميلاد وليم مكرم عبيد سنة 1889
وعن تاريخ القصر ذكر الباحث باسم علي، أن القصر تعود أهميته التاريخية والحضارية أنه كان مملوكًا لأحد زعماء الحركة الوطنية المصرية، فضلًا عن أثريته وتفاصيله المعمارية الفريدة، وأنه شهد ميلاد وليم مكرم عبيد سنة 1889 من القرن الماضي، الذي أعلن تنازل، وعمل بالمقاولات، وحقق ثروة كبيرة واشترى منها 900 فدانا من أملاك الدائرة السنية ـ أسرة محمد علي ـ، وبيُن “علي” أن مكرم عبيد تلقى تعليمه بمدرسة التوفيقية بقنا، ثم التحق بالمدرسة الثانوية في محافظة أسيوط وتخرج فيها 1905 وحصل شهادة القانون من جامعة أكسفورد البريطانية في 1908، ثم حصل على درجة الدكتوراه من فرنسا بعدها بسنوات، وتوفي في 5 يونيو 1961 بعد صراع مع مرض السرطان، ورحلة ثرية في العمل الوطني والحزبي في “الوفد” قبل انشقاقه عليه.
وندد باحثون ومثقفون بمحافظة قنا، بما يتعرض له قصر مكرم باشا عبيد، أحد رموز الحركة الوطنية المصرية، من تدمير وهدم، وطالب دوائر ثقافية بتدخل المسؤولين للإبقاء على التاريخ الإنساني لمدينة قنا