كل ما تريد معرفته عن الأصمعي.. أشهر شعراء العصر العباسي الأول
أسماء صبحي
الأصمعي هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع (740م، 831م). من شعراء العصر العباسي الأول، ولد ونشأ في البصرة. ويعود نسبه إلى القبيلة الباهلية، وهي أوائل القبائل التي دخلت مدينة البصرة. جده أصمع بن مظهر، ووالده عاصم بن عبد الملك والذي عرف بلقبه قريب. ووالدته كانت باهلية أيضًا، وقيل إنّ أسرته كانت ذات أنفار عديدين. إذ تضخم عدد بني أصبع فتشعبوا إلى أسر عديدة، جمعت في حي واحد في البصرة. سمي بحي بني أصمع، وكان عبد الملك بن قريب الأصمعي هو الذي نهض بقبيلته ونسبها. ورفع اسمها في سجل الحضارة الإسلامية.
نشأة الأصمعي
كانت نشأة الأصمعي هي نشأة علم في الحياة الأدبية وفي ظل أسرة اهتمت بالعِلم والأدب. ويعد الأصمعي من أئمة اللغة والنحو والأدب والغريب والأخبار، ويعود لقب الأصمعي إلى جده أصمع. ثم انتقل الأصمعي إلى بغداد بعد أن استدعاه الرشيد. وكان الرشيد قد استقدمه بعد ما سمع عن فضله، وعلمه وأدبه واتساع معرفته باللغة. إضافة إلى قدرته في رواية أنساب العرب وأخبارها وأشعارها وأرجازها. إذ كانت هذه الدرجة من الحفظ لديه تشير إلى نشأته العلمية التي ترعرع بها. يقال إنّه كان يحفظ ما يقارب ست عشر ألف أرجوزة، ناهيك عن الشعر والأخبار.
حياة الأصمعي
عرف الأصمعي في حياته بشغفه في التنقل بالبادية، وذلك ليتلقى العلوم فيدونها. ويقتبس المعارف فيتعلمها، كما أنه عد من العلماء الذي عرفوا بالرحلات الطويلة لطلب العلم. والسعي إلى توثيق الأخبار، فقد كان ينقل ويدون ويوثق كل ما يشاهده في رحلاته. وبذلك تمكن من أن يبوأ لنفسه مكانة علمية مرموقة بين علماء وأدباء عصره.
من صفاته أنه امتاز بأمانته العلمية والخلقية، وبتمسكه بدينه، وبصدقه في أحاديثه وعِلمه. كما كان صاحب بيان ومنطق صائب، فعرف بسعة أدبه وغريزته الثقافيّة، وبقوة حفظه بفضل ذاكرته القوية. إذ كان يحفظ القصيدة الطويلة مجرد سماعها من أول مرة، ثم أصبح من أبرز رواة الشعر في العصر العباسي. فصار صاحب لغة ونحو، وإمامًا في الأخبار والنوادر.
تلقّى الأصمعي العلم في حياته على أيدي مجموعة من شيوخ اللغة والنحو. ومنهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبو عمرو بن العلاء، ومن ثم تعلم نقد الشعر من خلف الأحمر. كما تعلّم علم الحديث من شعبة بن الحجاج ومالك بن أنس وغيرهم من الشيوخ الذين تعلم منهم مبادئ الكتابة والقراءة. إذ عرف في حياته بتدينه فقد كان يتوجه إلى الشيوخ ومجالس العلماء. فيلتقي بالخطباء والفصحاء والشعراء، ليكتسب من قرائحهم النقدية والعلمية. حتى نمت معارفه واتسعت آفاق شعره فسرعان ما أصبح شيخًا يسمع له الناس ويترددون على مجالسه. ومن أبرز تلاميذه الترمذي، وأبو فضل الرياشي، والجاحظ، وأبو عبيد بن سلام القاسم، وغيرهم الكثير.
كان الأصمعي في حياته إنسانًا اجتماعيًا له العديد من العلاقات مع الكثير من العلماء والأدباء والفقهاء. وربما كانت طبيعته تلك هي ولادة رحلاته وتنقلاته المتكررة. ففي كل رحلة كان يقيم مجالس من المحاورات والمناظرات مع الكثير من أصحابه. كما كان شديد الاطلاع في اللغة والأدب والنقد.
مؤلفاته
ترك الأصمعي أثارًا علميّة وأدبية كثيرة، وبلغ عدد مؤلفاته ما يقارب نيفًا وخمسين كتابًا. تراوحت بين الرسائل القصيرة، والمجلدات. وتنوعت هذه المؤلفات بالحديث عن الشعر والنقد، والنحو. إضافة إلى الأخبار التي حفظها ونقلها، فعرف عنه في مؤلفاته بقوة حفظه وذكائه. إضافة إلى استحضار الحجة وحلاوة المزاح، وأمانته العلمية. إذ إنّه كان من العلماء الذين أغنوا الأدب العربي وأوضحوا معالمه، ومن مؤلفاته ما يأتي:
- فحولة الشعراء: هو كتاب جمع عددًا كبيرًا من أشعار الشعراء الجاهليين والإسلاميين. إذ تضمّن الكتاب آراء الأصمعي في أشعارهم، إذ وصف بعض الشعراء بأنه ضعيف الفحولة. والبعض الآخر عكس ذلك.
- كتاب الشاء: هو أحد المؤلفات التي صنفت على شكل نصوص متفرقة. جمعت من قبل المحققين بأبواب خاصة، تلخصت في ذكر صفة الشاة. وما تنعت به، كما أضاف الأصمعي بعض الدلالات حول مجموعة من الألفاظ والأخبار حول الشاء. سواء من أقوال العرب أم بيت من الشعر أم مثل.
- خلق الإنسان في اللغة: جمع الكتاب الحديث عن خلق الإنسان وكل ما يتعلق به. إذ انقسم الكتاب إلى أبواب عُنون كل باب بعضو من أعضاء جسم الإنسان. فكان يشرح معجزة الخلق وبعض الأقوال المختارة قديمًا، وأول هذه الأبواب هو باب ما يذكر من حمل المرأة وولادتها والمولود.
- اشتقاق الأسماء: يتناول الكتاب الحديث عن أصل اشتقاق طائفة من أسماء الأشخاص والقبائل. ولم يعتنِ بترتيب الأسماء على حسب الحروف الأبجدية، ذلك لأن ما يعنيه هو بيان الاشتقاق اللغوي. كما أنه لم يتعرض إلى التعليل حول السبب في تسمية هذه الأسماء. فكان منهجة يعتمد على توضيح اشتقاق الاسم فقط.
وفاته
توفي الأصمعي بعد حياة قضاها في العلم ومسيرة حافلة بالإنجاز الأدبي. وحول وفاته فقد قال السيرافي إنّ الأصمعي توفي في البصرة سنة 213هـ. وصلى عليه الفضل بن إسحاق، لكن ابن خلكان قد اختلف بمكان وفاته. وانفرد بأنه قال إنّ الأصمعي توفي في مدينة مرو، ثم اختلف العلماء في تعيين سنة وفاة الأصمعي. فانقسمت آراؤهم إلى سبعة أقوال، ولكن أقرب الأقوال إلى الصواب هو ما قاله عبد الرحمن ابن أخيه. أن عمه توفي سنة 216هـ. كما تختلف المصادر في تحديد عمره وقت وفاته، فتذكر بعضها أنه مات وعنده 88 سنة. وتذكر الأخرى أنه مات وعمره 91 سنة. وما تبقى من مصادر تتفق بأن تذكر أنه مات وقد عمَّر نيفًا وتسعين سنة.