قبائل و عائلات

“الفرزدق”.. أشهر أبناء قبيلة “دارم” وأحد فحول الشعراء الثلاثة في العصر الأمويّ

أسماء صبحي

الفرزدق هو همّام بن غالب بن صعصعة المولود في البصرة في السنة العشرين للهجرة. أمّا أمّه فهي ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس. وهو صحابيّ جليل كان من أشراف العرب في العصر الجاهليّ. ويشار إلى أنّه في مرحلة الشباب كان يكنّى بأبي مكيّة، تيمناً باسم ابنة له. أمّا الفرزدق فهو لقب أطلق عليه لخشونة ملامح وجهه.

اشتهِر الفرزدق بنسبه الرفيع؛ فهو من قبيلة بدوية كان لها مكانة مرموقة وشأن عظيم في الجاهلية تدعى (دارم) التي عرِفت بسطوتها بين القبائل. أمّا والده فقد اشتهِر بالعزّة، والكرم. وكان جدّه صعصعة سيّداً في قومه سلك طريقاً كريماً كان سبباً في شهرته. وذلك حين اشترى أكثر من أربعمئة موؤودة وأنقذهنّ من الموت.

تأثّر الفرزدق بجدّه، وورث عنه حبّ النجدة التي ذكرها، وعظّمها كثيراً في شِعره. ويذكَر أنّه اكتسب من نشأته في البادية خِصال أهلها. فكان حادّاً في طبعه، قويّاً في جداله، يملك لغةً صحراويةً صعبةً، الأمر الذي أكسبه طِباعاً لم تتغيّر.

كان الفرزدق ينتمي إلى العصر الإسلاميّ الذي قسّمه المؤرِّخون إلى فترتَين. هما: فترة بداية الإسلام وعهد الرسول الكريم والخلافة الراشدية. والفترة التي شهدت الخلافة الأموية التي بدأت بخلافة معاوية بن أبي سفيان، وانتهت بمعركة الزاب.

حياة الفرزدق

عاش الفرزدق عمراً طويلاً، فظهرت له خفايا الحياة بحلوها، ومرها، وأقبل بدوره عليها يتزوّد من مسرّاتها. ونذكر ملامح منها فيما يأتي:

زوجاته

نذكَر فيما يأتي أبرز زوجاته:

  • النوّار بنت مجاشع: وهي ابنة عمّ الفرزدق، وأكثر زيجاته شهرة. وذكِر أنّ أبنائه جميعهم أنجبتهم النوَّار، وكان قد رثى أربعةً منهم في شِعره. وقِيل إنّه حين طلّقها ندم ندماً شديداً.
  • الزنجيّة: تزوّج الفرزدق من الزنجية، وأنجب منها ابنةً سمّاها مكيّة، وكان يُكنّى بها،
  • حدراء الشيبانية: ورد اسمها كثيراً في شِعره.
  • ظبية بنت حالم بن مجاشع.
  • زوجة له من اليرابيع من أولاد الحارث بن عبّاد.
  • رهيمة بنت غنى النمرية

وقد كانت زوجات الفرزدق موضع اهتمام الدارسين، حتى أنّ بعضهم ألّف فيهنّ كتباً كاملة. ومنهم المدائني الذي ألّف كتاب (مناكح الفرزدق) بحسب ما ورد عن ابن النديم.

الجانب السياسيّ من حياته

أمضى الفرزدق حياته متنقِّلاً بين الخلفاء والولاة، يمدحهم تارةً، ويهجوهم تارةً أخرى. وقد عرِف عنه حبّه وولاؤه لآل البيت؛ فكان يجاهر بهذا الحبّ في شِعره مادحاً إيّاهم، ومدافعاً عنهم لا يخشى في ذلك لومة لائم. ولعلّ مدحه لزين العابدين علي بقصيدته المشهورة (الميميّة) خير دليلٍ على هذا الولاء. ورغم هذا الحبّ لآل البيت إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من التقرب إلى الأمويّين مادحاً إيّاهم طالباً ودّهم. لا سيّما في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان وأبنائه.

عندما أصبح زياد بن أبيه حاكماً على العراق عام 669م رحل الفرزدق مرغماً إلى المدينة. وعاش هناك سنوات عدّة وعندما توفِّي زياد بن أبيه عاد إلى البصرة. وتقرّب إلى واليها عبَيد الله بن زياد ومدحه فحصل على دَعمه. وفي عام 694م أصبح الحجّاج حاكماً على العراق، فتقرّب إليه ومدحه. ويشار إلى أنّه عاصر في حياته الكثير من الشُّعراء الذين كان من أشهرهم: الأخطل، وجرير، وكعب بن جعيل، والأحوص، وكثيِّر.

صفات الفرزدق

لم يكن الفرزدق على قَدرٍ عالٍ من حسن الصورة والمظهر، إلّا أنّه كان معتَزّاً بنفسه معجَباً بها رغم ذلك. وكان شديد العناية بهندامه ولباسه المصنوع من الديباج والخزّ. كما عرِف عنه حِرصه على لبس المجوهرات الفاخرة، وتخضيب لحيته وشَعر رأسه. أمّا أخلاقه فقد اكتسبها من البادية؛ فكان فصيحاً ذكياً سريع الجواب والبديهة، وكان كثير الزهو والافتخار بنفسه، وبقومه.

رغم ما عرِف عن الفرزدق أحياناً من صفات غير محبّبة، إلّا أنّه كان ذا منزلة عالية في ميدان الحياة الأدبيّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة في العهد الأمويّ. فقد كان سيّداً شريفاً في قومه، ينسَب إلى قبيلة ذات مكانة رفيعة -كما ذكِر سابقاً-، كما كان من فحول الشعراء في ذلك الوقت والذين استطاعوا من خلال شِعرهم أن يوثّقوا الكثير من الأحداث التي مرّ بها العرب في ذلك الحين.

نزلة الفرزدق وآثاره

ترك الفرزدق في الشِّعر إرثاً عظيماً تمثّل بديوانٍ زخر بفنون شعريّة عدّة كان أعظمها في المديح. فيما تنوّع باقيها بين فخر، وهجاء، وغزل. ومن الجدير بالذكر أنّ أشعار الغزل المعروفة عنه كانت قليلة إذا ما قورِنت بما تركه جرير منها. إلّا أنّه في الفخر كان له الباع الأطول، أمّا أشعار النقائض التي جمعته به فقد طبِعت في مجلَّدَين كبيرَين في ليدن.

كما عرِف عن الفرزدق مَيله إلى نَظم قِصار القصائد أكثر من طوالها؛ نظراً لكونها أسهل للحفظ، وأكثر شيوعاً وتداولاً في المجالس حسب رأيه.

شِعر الفرزدق

يعتبَر الفرزدق واحداً من فحول الشعراء الثلاثة في العصر الأمويّ، أمّا الشاعران الآخران، فهما: جرير، والأخطل. وقد كوّن هؤلاء الشعراء ما سمِّي بالمثلَّث الأمويّ إلى الحدّ الذي اختلف فيه الناس حول أفضليّة أحدهم على الآخر. فقد نظم شِعره في مختلف الأغراض الشعرية المعروفة. فله قصائد في الفخر، والهجاء، والمديح، والغزل، والرثاء. إلّا أنّ الفخر كان أكثر ما لاءم طبعه، تلاه الهجاء، ثمّ المديح.

كما أنّ له قصائد جيّدة في الرثاء كان منها ما رثى بها نفسه بقوله: “أنا مدينة الشعراء”. وله القليل من الغزل، والرج. وتميّزت أشعار الفرزدق برصانة التراكيب، وقوة الألفاظ، وجزالتها. كما عرِف عنه استخدامه للغريب منها، فيما اعتبره المؤرِّخون من أكثر الشعراء نَظماً في الفخر؛ لأنّ بواعثه اجتمعت فيه. فهو ينتمي إلى قبيلة ذات نَسب رفيع، ويملك عزيمة عالية كانت بارزة في شِعره.

وفاة الفرزدق

أصاب الفرزدق قبل وفاته ما يسمّى بالدبيلة (وهو تجمُع قيحيّ في الجوف)، فذهب إلى البصرة؛ للعلاج منه، إلّا أنّه تُوفّي بعد ذلك. وكان قد تجاوز المئة عام، علماً أنّ وفاته كانت في خلافة هشام بن عبدالملك، ومن الجدير بالذكر أنّه تُوفِّي قبل جرير بفترة قصيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى