فنون و ادب

حكاية أشهر أغاني “ست الحبايب”.. أغنية تحولت من هدية إلى أيقونة

تعتبر أغنية “ست الحبايب”، التي أدتها المطربة الراحلة فايزة أحمد، بمثابة النشيد الوطني للأم، محفورة في وجدان الأجيال، ومقترنة بعيد الأم بشكل لا ينفصل عنه، هذه الأغنية الخالدة خرجت للنور مصادفة، حيث كتبت كلماتها بعفوية، ولحنت خلال ربع ساعة فقط، وسجلت في الإذاعة المصرية في اليوم التالي مباشرة، لتصبح واحدة من أشهر الأغاني وأكثرها تأثيرًا في العالم العربي.

هدية من قلب محب

الأغنية الشهيرة كتبها الشاعر الكبير الراحل حسين السيد، ولحنها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وجرى بثها لأول مرة عبر الإذاعة المصرية يوم 21 مارس عام 1958، بالتزامن مع احتفالات عيد الأم.

قصة كتابة كلمات “ست الحبايب” تحمل تفاصيل مثيرة لا تخلو من الصدفة الجميلة، لم يكن حسين السيد يعلم أن ما خطه على عجل سيكون أعذب ما يقال في حق الأم، وأحد أبرز الأغاني المرتبطة بعيدها طوال 67 عامًا مضت.

كلمات من القلب بدلاً من هدية

في مساء يوم 20 مارس عام 1958، عاد الشاعر حسين السيد إلى منزل والدته بعد يوم طويل وشاق من العمل. وعندما صعد الدرج حتى الطابق الأخير حيث تقيم والدته، أدرك أنه نسي شراء هدية يقدمها لها بمناسبة عيد الأم في اليوم التالي. وبسبب الإرهاق، لم يرغب في النزول مجددًا للشارع لشراء هدية.

لكن لم تتركه المحبة يقف مكتوف اليدين، فعزم على أن يقدم لها شيئًا مختلفًا، وأخرج من جيبه ورقة وقلماً، وجلس على السلم أمام شقتها، وبدأ بكتابة كلمات يعبر بها عن حبه وامتنانه لأمه، عاقدًا النية على أن يهديها هذه الكلمات فور أن تفتح له الباب.

كلمات أغنية ست الحبايب

وبدون أي تخطيط مسبق، تدفقت منه الكلمات بعفوية وصدق لتخرج رائعة:

“ست الحبايب يا حبيبة… يا أغلى من روحي ودمي
يا حنينة وكلك طيبة… يااارب يخليكي يا أمي
زمان سهرتي وتعبتي… وشلتي من عمري ليالي
ولسه برضه دلوقتي… بتحملي الهم بدالي
أنام وتسهري وتباتي تفكري
وتصحي من الآدان… وتيجي تشقري
تعيشي لي يا حبيبتي يا أمي… ويدوم لي رضاكي
أنا روحي من روحك إنتِ… وعايشة من سر دعاكي
تحسي بفرحتي… قبل الهنا بسنة
وتحسي بشكوتي… من قبل ما أحس أنا
يااارب يخليكي يا أمي… يا رب يخليكي يا أمي
لو عشت طول عمري… أوفي جمايلك الغالية علي
أجيب منين عمر يكفي… وألاقي فين أغلى هدية
نور عيني ومهجتي… وحياتي ودنيتي
لو ترضي تقبليهم… دول هما هديتي”

دموع الأم وفرحتها بكلمات ابنها

انتهى حسين السيد من كتابة الكلمات، ثم طرق باب الشقة وقدم الورقة لوالدته، وعندما قرأتها، غلبها التأثر ودمعت عيناها من شدة فرحتها بما حملته من مشاعر محبة صادقة، حتى سألته ما إذا كانت تلك الكلمات لها خصيصًا أم أنها مشروع أغنية جديدة.

رد عليها بأنها كتبت خصيصًا لها، ووعدها ممازحًا أن يجعلها أغنية حقيقية إذا رغبت في ذلك، بل ويجعل أجمل الأصوات تغنيها.

مكالمة منتصف الليل التي غيرت مجرى الأغنية

وفورًا، وفي أثناء جلوسه مع والدته، قرر حسين السيد أن يحول وعده إلى واقع. اتصل على الفور بالموسيقار محمد عبدالوهاب، وروى له القصة وقرأ عليه الكلمات. ولم يكن يعلم أن عبدالوهاب أثناء استماعه للكلمات كان يسجلها بنفسه، متأثرًا بما تحمله من صدق وعذوبة.

عبدالوهاب وعده بتلحينها على الفور، ولم يمر سوى وقت قصير حتى كان قد أعد لها لحنًا بسيطًا جميلًا خلال 15 دقيقة فقط، ثم اتصل بالمطربة فايزة أحمد وطلب منها الحضور لتجربة الأغنية.

صوت الأغنية الذي خلد مع الزمن

سارت الأمور بسلاسة كما لو أن الأقدار رتبت لها أن تولد بهذه السرعة، وصلت فايزة أحمد إلى منزل عبدالوهاب، وأدت البروفات بسهولة، حيث حفظت الكلمات بسرعة وتأثرت بجمالها، وظلت تتدرب حتى ساعات الفجر الأولى.

وفي صباح يوم 21 مارس، وهو عيد الأم، توجهت فايزة أحمد إلى الإذاعة المصرية، حيث قامت بتسجيل الأغنية، ليتم بثها عبر الأثير في تمام العاشرة مساءً، ومنذ تلك اللحظة، انطلقت الأغنية في سماء العالم العربي، لتصبح جزءًا من ذاكرة الجماهير، ولتبقى طوال العقود التالية نشيدًا خالدًا يعبر عن أسمى معاني الأمومة والوفاء للأم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى