تفاصيل اغتيال العالم المصري يحيى المشد.. أحد أبرز علماء الذرة في العالم
أسماء صبحي
العالم المصري يحيى المشد، هو واحد من أهم عشرة علماء على مستوى العالم في مجال التصميم والتحكم في المفاعلات النووية. كان هدفًا للمخابرات الإسرائيلية بعدما وافق المشد على العرض العراقي للمشاركة في المشروع النووي. الذي وفرت له العراق كل الإمكانيات والأجهزة العلمية والإنفاق السخي.
نشأته ودراسته
ولد الدكتور يحيى المشد في 11 يناير عام 1932، وبعد دراسته التي أبدى فيها تفوقاً رائعاً حصل على بكالوريوس الهندسة قسم الكهرباء من جامعة الإسكندرية. وكان ترتيبه الثالث على دفعته، مما جعله يستحق بعثة دراسية عام 1956 لنيل درجة الدكتوراة من جامعة كامبريدج -لندن-. ولكن ولظروف العدوان الثلاثي تم تغيير مسار البعثة إلى موسكو.
قبل أن يسافر الدكتور يحيى المشد تم زفافه على ابنة خاله وسافرت معه هناك ليقضيا ست سنوات. ليعود بعدها لمصر واحداً من أهم عشرة علماء على مستوى العالم في مجال التصميم والتحكم في المفاعلات النووية.
عقب عودته التحق بهيئة الطاقة الذرية المصرية التي كان أنشأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. الذي أمر أيضاً قبل ذلك بعام بإنشاء قسم للهندسة النووية في جامعة الإسكندرية. وانتقل إليه المشد حتى صار رئيسه عام 68 بعد سنوات قليلة من عمله كأستاذ مساعد ثم كأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية.
الدكتور يحيى المشد يسافر إلى النرويج
أشرف الدكتور المشد في فترة تدريسه بالكلية على أكثر من 30 رسالة دكتوراه. ونشر باسمه خمسون بحثاً علميًّا تركزت معظمها على تصميم المفاعلات النووية ومجال التحكم في المعاملات النووية. بعدها بفترة بسيطة تلقى عرضاً للتدريس في النرويج، وبالفعل سافر ومعه زوجته أيضا ليقوم بالتدريس في مجاله.
كما تلقى الدكتور يحيى المشد عروضا كثيرة لمنحه الجنسية النرويجية بلغت أحيانا درجة المطاردة طوال اليوم. والمعروف أن النرويج هي إحدى مراكز اللوبي الصهيوني في أوروبا وهي التي خرج منها اتفاق اوسلو الشهير.
رفض الدكتور يحيى المشد كل هذه العروض لكن أثار انتباهه هناك الإعلام الموجه لخدمة الصهيونية العالمية، وتجاهل حق الفلسطينيين. وأزمتهم فما كان منه إلا أن جهز خطبة طويلة بشكل علمي منمق حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
اغتيال الدكتور يحيى المشد
انتهز الدكتور يحيى المشد فرصة دعوته لإحدى الندوات المفتوحة. وهناك قال كلمته التي أثارت إعجاب الكثيرين ولكنها أثارت غضب اللوبي الصهيوني والموساد في النرويج. وكانت هذه الخطبة سببا في بداية ترصد خطواته وتعقبه. وبدأت المضايقات الشديدة للدكتور العالم، فقرر الدكتور المشد العودة إلى القاهرة.
في الثالث عشر من يونيو عام 1980 وفي حجرة رقم 941 بفندق الميريديان بباريس. عثر على الدكتور يحيى المشد جثة هامدة مهشمة الرأس وقيدتْ القضية ضد مجهول. رغم أن الجميع كان على علم بأن الموساد الإسرائيلي هو من قام بهذه العملية.
لم يكتفِ بهذا الحد، ففي ضاحية “سان ميشيل” بعدها بأقل من شهر كانت أهم شاهدة في القضية العاهرة (ماري كلود ماجال) تغادر أحد بارات باريس الرخيصة. وقد كانت تعبر الشارع دهستها سيارة مجهولة لم يعثر عليها حتى اليوم، ومرة أخرى قيدت القضية ضد مجهول.
اتهام الموساد في اغتيال يحيى المشد
أول ما نسبوه للمشد أن الموساد استطاع اغتياله عن طريق مومس فرنسية، إلا أنه ثبت عدم صحة هذا الكلام. حيث أن “ماري كلود ماجال” أو “ماري إكسبريس” كشهرتها -الشاهدة الوحيدة- وهي امرأة ليل فرنسية كانت تريد أن تقضي معه سهرة. وأكدت في شهادتها أنه رفض تماماً مجرد التحدث معها، وأنها ظلت تقف أمام غرفته لعله يغيّر رأيه. حتى سمعت ضجة بالحجرة، ثم اغتيلت أيضاً هذه الشاهدة الوحيدة.
كما دافعت عنه وبشدة زوجته “زنوبة علي الخشاني”، حيث قالت: “يحيى كان رجلاً محترماً بكل معنى الكلمة، وأخلاقه لا يختلف عليها اثنان. ويحيى قبل أن يكون زوجي فهو ابن عمتي، تربينا سويًّا منذ الصغر؛ ولذلك أنا أعلم جيداً أخلاقه. ولم يكن له في هذه “السكك”، حتى أنه لم يكن يسهر خارج المنزل، إنما كان من عمله لمنزله والعكس”.
وقيل أيضاً أن هناك شخصاً ما استطاع الدخول إلى حجرته بالفندق وانتظره حتى يأتي، ثم قتله عن طريق ضربه على رأسه. وإذا كان بعض الصحفيين اليهود قد دافعوا عن الموساد قائلين: “إن جهاز الموساد لا يستخدم مثل هذه الأساليب في القتل”. ولماذا لا يكون هذا الأسلوب اتّبِع لكي تبتعد الشبهات عن الموساد؟”.
تفجير المفاعل العراقي
الدليل على ذلك أن المفاعل العراقي تم تفجيره بعد شهرين من مقتل المشد. والغريب أيضاً والمثير للشكوك أن الفرنسيين صمّموا على أن يأتي المشد بنفسه ليتسلم شحنة اليورانيوم. رغم أن هذا عمل يقوم به أي مهندس عادي كما ذكر لهم في العراق بناء على رواية زوجته. إلا أنهم في العراق وثقوا فيه بعدما استطاع كشف أن شحنة اليورانيوم التي أرسلت من فرنسا غير مطابقة للمواصفات. وبالتالي أكدوا له أن سفره له أهمية كبرى”.
الغريب أنه بعد رجوع أسرة المشد من العراق، قاموا بعمل جنازة للراحل، ولم يحضر الجنازة أي من المسئولين أو زملاؤه بكلية الهندسة إلا قلة معدودة. حيث أن العلاقات المصرية العراقية وقتها لم تكن على ما يرام بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد. وأصبحت أسرة المشد الآتية من العراق لا تعرف ماذا تفعل بعد رحيل المشد. لولا المعاش الذي كانت تصرفه دولة العراق والذي صرف بناءً على أوامر من صدام حسين مدى الحياة (رغم أنه توقف بعد حرب الخليج). ومعاش ضئيل من الشؤون الاجتماعية التي لم تراعِ وضع الأسرة أو وضع العالم الكبير.
كما أن الإعلام المصري لم يسلط الضوء بما يكفي على قصة اغتيال المشد رغم أهميتها. ولعل توقيت هذه القصة وسط أحداث سياسية شاحنة جعلها أقل أهمية مقارنة بهذه الأحداث. وبقي ملف المشد مقفولاً، وبقيت نتيجة التحريات أن الفاعل مجهول. وأصبح المشد واحداً من سلسلة من علماء العرب المتميزين الذين تم تصفيتهم على يد الموساد.