من قصر إلى بنك.. مبنى “البارون ديجليون” الذي صممه معماري فرنسي بلمسات إسلامية
أميرة جادو
تضم أرض مصر العديد من الأبنية التي تعكس العراقة والتاريخ، وشكّلت متحفًا مفتوحًا يمكن من خلاله التعرف على الأساليب الفنية المختلفة والطراز المعماري الفني لهذه الحقبة الزمنية.
ووفقًا لما ذكر في كتاب قصور مصر، للكاتبة سهير عبدالحميد، تعتبر قصور مصر تاريخ لا يزال حيا لأنها ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع إنما هي سجل يخلد أسماء وشخوصا وأحداثا رمز لنمط عمارة ساد وظروف عصر خلا وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنون وظلت تحمل شيئا من توقيعه لا يزال محفوراً في ومضة هنا وأخرى هناك.
حكاية قصر ديجليون
نذهب اليوم إلى وسط القاهرة -وسط البلد- المكان الذي تمتلئ واجهة محلاته وعماراته بالنقوش والمنحوتات الصغيرة، ليذكرنا بعقود مضت وفنون كانت تحتل كل ركن في حياة المجتمع المصري، ونستقر في شارع شريف حيث يوجد بنك الإسكندرية، قصر ديجليون سابقًا.
شيد القصر عام 1894، حيث تظهر السجلات التاريخية أن القصر مسجل برقم 22 باسم جناب البارون ديجليون حماية فرنسية، ويتميز القصر بواجهته ذات الزخارف الإسلامية، التي ما زالت تحمل لافتة باسم بنك الإسكندرية، الذي اتخذ مقرا له لفترة طويلة، في 27 شارع شريف (المدابغ سابقا) وسط مدينة القاهرة الخديوية.
وبحسب الكتاب، أسس البارون ديجليون هذا القصر وقد نقلت ملكيته إلى أحد تجار العاديات ويدعى “يوسف”، وقد هاجر إلى إسرائيل عام 1948، وقد تحول مقر القصر إلى بنك الإسكندرية الذي ظل به حتى منتصف التسعينيات، حيث سجل في عداد الآثار الإسلامية، الذي ينص على أن “هذا المبنى بني على طراز الباروك والروكوكو، كما تبدو عليه التأثيرات واللمسات الإسلامية من الأطباق النجمية والزخارف النباتية كبيرة الحجم”.
تصميم القصر
أما عن تصميم القصر، يتكون من طابقين أسفلهما بدروم، الأول منهما كان مخصصا لغرف الاستقبال، والثاني للمعيشة، لكن تعرض المكان لحادثي حرق أضرا كثيرا بتكويناته وزخارفه، إلا أن واجهته التي بنيت على الطراز الإسلامي ما زالت تحتفظ بتفاصيلها، وكما أن اللوحة التذكارية التي وضعها اللورد في دهليز صغير في القصر لم تحترق، وإلى جوارها شعار يشبه الشعارات التي كانت معتادة في العصر المملوكي، وتعبر عن رمز يدل على صفة صاحب المنزل، والشعار الموجود لـ”أسد”.
من هو دلور ديجليون؟
ولد البارون ألفنس دلور ديجليون عام 1843، وهو في الأصل مهندس مناجم، واستقر في القاهرة عام 1869، ليتابع أعمال عمه جون أنطوان كوردييه، الذي كان قد أنشأ شركة توزيع المياه على أحياء القاهرة، وقد كان دلور شغوف بفنون العمارة والفنون الإسلامية، هاويا لجمع التحف الإسلامية، وقام بتصميم القصر المعماري الفرنسي بودري، وهو من أهم المعماريين الأوروبيين المعروفين باهتمامهم بتطبيق الطراز الإسلامي في أعمال العمارة، وارتبط اسمه بـ3 مباني مهمة تعبر عن الروح الإسلامية الفنية، (فيلا الكونت سان موريس، والمنزل الخاص ببودري، ومنزل البارون ديجليون بالشواربي).
ما هو طراز الركوكو؟
والجدير بالذكر، أن طراز الركوكو في فن العمارة، قد عرف وتميز بالزخارف ذات الخطوط اللولبية والمنحنيات المحاكية لأشكال القواقع والمحار والأصداف، ويعتبر فن أرستقراطي فيه إفراط في الشغف بالأناقة أسلوبا وموضوعا، وتشير كلمة “روكوكو” الفرنسية إلى كلمتين، الأولى إيطالية وهي “باروك”، وتعني “اللؤلؤة غير منتظمة الاستدارة”، والثانية فرنسية “روكاي” وتعني “نوع من الزخرفة والتزيين” المستخدمة آنذاك في الحدائق وداخل المنازل، وفق ما ذكر في كتاب “فنون عصر النهضة”.