“الحديقة اليابانية”.. امتزاج الثقافة والطراز الشرقي الأسيوي
تعتبر مدينة حلوان واحدة من أعرق مدن التاريخ، فقد كانت في الأصل مدينة مصرية قديمة تحتوي علي أول سد مائي في التاريخ، وذلك في منطقة وادي حوف حاليًا، فقد كانت تجاور أطلال مدينة ممفيس عاصمة مصر القديمة، ومع بدء الدولة الحديثة، حظيت المدينة بالإهتمام، فتم بناء الكثير من أشكال الحضارة الحديثة، علي رأسها المرصد الفلكي الخديوي لمراقبة مذنب هالي بين عامي 1903 و 1904 ميلادية، ومستشفى بهمان، أكبر عيادة نفسية خاصة في مصر، وذلك في عام 1939 ميلادية، وفي عام ١٩٢٢ أُنشئت أول حديقة على الطراز الآسيوي في إفريقيا، لتقف طيلة ما يقرب من القرن رمزَا لحضارات الشرق الأقصي في بلاد الشرق الاوسط.
قصة الحديقة اليابانية
في هذا السياق قالت أميمة النجار الباحثة في التراث، بدأت قصة الحديقة اليابانية، في عام 1917، حينما فكر المهندس المعماري محمد ذو الفقار باشا، والذي أنشأ فيما بعد حديقة الأندلس عام 1935 ميلادية، في إنشاء حديقة تعبر عن ثقافات الشرق، فكان اختياره في ذلك الحين للثقافة اليابانية، والتي رأي فيها إمتزاج لمختلف الطرز الأسيوية، وفي ذات الوقت تمثل ترضية للدولة اليابانية بعد إعلان كوريا إنفصالها عنها، علي مساحة بلغت أكثر من ٤٠ ألأف متر مربع، أي ما يعادل ١٠ أفدنه، وأطلق عليها في بادئ الأمر “كشك الحياة الآسيوى”، ولكنه فيما بعد عُرفت بإسم الحديقة اليابانية، وبمجرد الإنتهاء من تصميمات الحديقة في عام 1919، بدأ في تنفيذ المخطط طيلة عامين كاملين، لتُفتتح للجمهور في عام 1922، ويقدمها ذو الفقار باشا هدية للسلطان حسين.
ونوهت الباحثة في التراث،”حديقة “طوكيو”.. هكذا يفضل اليابانيين الزائرين لمصر تسميتها، فهي وفقًا لوجهة نظرهم تمثل نفس الطرز اليابانية التي تشتهر بها العاصمة طوكيو، وهذا ما سيشعر به الزائر لتلك الحديقة، فبمجرد أن تطأ قدميه أرض الحديقة سيشعر بأنه قد إنتقل إلي الأجواء اليابانية الأصيلة، وأول ما سيقابله تلك البركة المائية، أو ما يُطلق عليها بحيرة التماثيل، والتى يطل علي ضفافها 49 تمثالا يابانيًا، بالإضافة إلى مجموعة من تماثيل بوذا المميزة بلونها الأحمر القانى، والتي تمثل المعلم “شيبة” البوذي، وتلاميذه الـ48 يجلسون حوله، وقم تم حصارهم بسور حديدي، ما جعل الزائر إلي الحديقة يطلق عليهم اسم “علي بابا والأربعين حرامي”، لإعتقادهم أنهم خططوا لسرقة مستشفى تعالج الفقراء، فسخطهم الله كنوع من العقاب لهم.
مميزات الحديقة اليابانية
وأوضحت الباحثة في التراث،، “لا أسمع لا أري لا أتكلم”.. قد تبدو عبارة هذلية نرددها بين الحين والأخر لتبرير حالة المبالاة، ولكنها في واقع الأمر حكمة رسخها المهندس ذو الفقار باشا منذ مائة عام داخل حديقته اليابانية، فأسفل تمثال المعلم شيبة البوذي، تم نقش تمثال الحكمة الثلاثية للقرود، وهي تمثل ثلاثة قرود، أحدها يسد أذنه في إشارة إلي إنه لا يسمع، والآخر يغمض عينيه في إشارة إلي إنه لا يري، والأخير يضع يده علي فمه في إشارة إلي إنه لا يتكلم، وكان الهدف من حفرها طبقًا للمهندس المعماري التي قام بتصميمها، حث الإنسان علي عدم التدخل في شؤون الغير.
وتابعت الباحثة في التراث، أهم ما تتسم به الحديقة اليابانية، أو حديقة طوكيو، تلك التماثيل التي تشكل الثقافة والطراز الشرق أسيوي، فإلي جانب شيبه وطلابه، يوجد الكثير من التماثيل الأخري، والتي في العادة تشكل عدد من الحقب التاريخية المتنوعة لتلك الحضارة، أهمها تمثال زهرة اللوتس، والتي تحمل تمثالًا للمهندس المعماري ذو الفقار باشا مصمم الحديقة، وحوله تماثيل لأفيال الشرق التي تحرس الحديقة، كما يوجد في الحديقة تمثالًا أخر لوجه الحياة وهو عبارة عن امرأة تغمض عينيها مع ابتسامة خجل، وهو ما يعكس فكرة تقديس المرأة في حضارات الشرقن لافت إلى أنه في منتصف الحديقة اليابانية، يقف “باغودا”، المقدس، وهو المبنى الديني الذي تمارس فيه طقوس الديانة البوذية، وأحد أهم الطرز التي تعبر عن الحضارة المعمارية لمنطقة شرق آسيا، في أقصى نهاية الحديقة، وللوصول إليه يمر الزائر عبر بوابات يابانية الطرز، ليعبر الزائر من جزء من الحدائق إلى جزء آخر أكثر إبداعًا، هكذا وصف “ريج تيري”، وهو جندي بريطاني، منذ 80 عام، حديقة حلوان اليابانية في يومياته بتاريخ 29 يونيو 1941، وهو نفس اليوم الذي زار فيه تلك الحديقة، وكان بصحبته أصدقائه الجنود، جي إريكسون، آر رادكليف، ستيوارت سيلارز.
واختتمت الباحثة في التراث حديثها قائلة: قد راعى ذو الفقار باشا في تصميمه للحديقه، تزويدها بسلسلة من البرك والقنوات والتلال ومجموعة متنوعة من الأشجار، التي قام بإختيارها كجزء من التراث الآسيوي، فكانت أشجار التين البنغالى والشجر المشطورة وأشجار السدر الأروكاريا والبوهينيا ونبات الغاب أبرز النباتات والأشجار المزروعة بها، كما يوجد كشك الشاي الشبيه بذلك الذي تم وضعه بحديقة الحيوان بمحافظة الجيزة، ويومًا كان يجلس داخل الزائرين للإستمتاع بالفرق الموسيقية التي تعزف أجمل الآلحان.