حوارات و تقارير
هل الهواتف المحمولة تفسر الكمائن العديدة التي وقع فيها الجيش الروسي؟
دعاء رحيل
تعد الهواتف المحمولة والشبكات الاجتماعية حتى وقتنا هذا وسيلة للدعاية، وتستخدم من قبل أجهزة الاستخبارات الأوكرانية لجمع المعلومات العملياتية التي تفسر الكمائن العديدة التي وقع فيها الجيش الروسي.
منذ انسحاب الجيش الروسي من كييف وضواحيها للتركيز على غزو إقليم دونباس الأوكراني، تواترت الشهادات القادمة من مناطق عديدة في أوكرانيا عن نزع القوات الروسية الغازية، بمجرد وصولها إلى أي قرية، هواتف السكان وغالبا تكسيرها، بعدما أصبحت هاجس الجندي الروسي، لما سببته له من إخفاقات.
الحرب المختلطة
بتلك المقدمة افتتح موقع ميديابارت (Mediapart) الفرنسي تقريرا لماتيو سوك، قال فيه إن الغزو الروسي لأوكرانيا قدم العديد من الدروس للإستراتيجيين والباحثين العسكريين فيما يتعلق بكيفية عمل الجيوش في بيئة وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن كان الروس لفترة طويلة يعتبرون أصحاب الخبرة في هذا الشأن بوضعهم ما يعرف بنظرية “الحرب المختلطة”.
واستشهد الكاتب بقصة حطاب أوكراني وشقيقه و3 شبان آخرين من قرية ترماخيفكا شمال كييف الذين قيدهم الجيش الروسي وعصب أعينهم في حفرة لمدة 13 يوما، متهما إياهم بإعطاء مواقعه للأوكرانيين عن طريق الهواتف المحمولة، كما قالوا للموقع الفرنسي.
الهاتف يدخل على الخط
وكان الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية جوليان نوسيتي، قد قدم تقريرا في هذا السياق عام 2015 بعنوان “حرب المعلومات: الشبكة الروسية في الصراع في أوكرانيا”، رأى فيه أن العمل على الشبكات الاجتماعية سيكون بمثابة المعزز للخطاب السياسي المصاحب للعمل العسكري، ولكنه لم يتخيل أبدا إلى أي مدى يمكن أن تؤثر الهواتف المحمولة على مجال العمليات نفسه، من خلال توفير معلومات استخبارية عملياتية بكميات كبيرة، كما يرى الكاتب.
وذكر الكاتب أن الجنود المنتشرين في منطقة العمليات يعدون في مقدمة أجهزة الاستشعار المعلوماتية لما يشكلونه من عيون وآذان في ساحة المعركة، ولكن باحثين أميركيين نبها في مقال بمجلة سمول وورز جورنال (Small Wars Journal) من أن دخول الكمبيوتر المحمول والشبكات الخلوية والإنترنت على الخط جعلت من الممكن تسجيل وثائق دقيقة وثمينة، وسمحت للجنود الأوكرانيين بتقديم تقارير فورية “مع بقائهم مشتتين دون أن يعوق ذلك الوصول إليهم مطلقا”.
وفي مدونته “لافوا دو ليبي” (La Voie de l’épée)، لاحظ العقيد المتقاعد والمؤرخ العسكري الفرنسي ميشيل غويا أن الجيش الأوكراني يستفيد من ” كمية المعلومات التكتيكية” من “المقاتلين البسطاء المزودين بالهواتف الذكية ووحدات الاستخبارات الإقليمية المجهزة بطائرات مسيرة صغيرة ومنخفضة التكلفة”.
ومع أن الروس بالمقابل -كما يقول الكاتب- يمكن أن يستفيدوا نظريا من هذه الوسيلة، فإنهم لا يتمتعون برافد مهم يمد أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، وهو سيل المعلومات الذي يوفره السكان الأوكرانيون.
ورغم أن شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية الأوكرانية تعرضت لأضرار جزئية بسبب الحرب، فإن ما يقرب من 90% من الشبكات بقيت تعمل، مما أتاح للمواطنين العاديين متسعا من الوقت لاستخدام هواتفهم وتطبيقاتها المختلفة، وفي مقدمتها تطبيق المراسلة ذي الأصل الروسي تليغرام (Telegram).
تحذيرات بشأن الغارات الجوية الروسية
وقد أعادت الحكومة الأوكرانية استخدام قناتها الرسمية “تليغرام كوفيد-19” التي كانت تستخدمها خلال العامين الماضيين لتبادل المعلومات حول الوباء، لتقديم تحديثات على مدار الساعة حول الحرب، وأعادت تسميتها باسم أوكرانيا الآن (UkraineNow)، التي يبلغ عدد مشتركيها أكثر من 3 ملايين وتبث تحذيرات بشأن الغارات الجوية الروسية وأماكن الملاجئ.
دعم المواطنين
وعبر هذه الشبكات أبلغ الأوكرانيون السلطات الإقليمية أو الوطنية عن تفاصيل تحركات القوات الروسية والعربات المدرعة، ليصبح جمع المعلومات الآن سهلا نسبيا وحركات القوات مكشوفة، لأن المهاجم لا يستطيع منع السكان من تصويره، كما يقول داميان فان بويفيلدي، مدير المركز الأسكتلندي لدراسات الحرب وعلم آثار الصراع في جامعة غلاسكو.
وفي سياق متصل، أشار موقع ميديابارت إلى أن رئيس شركة طلاء يدعى يوري -كما أخبره- “أنشأ شبكة من المخبرين بفضل عملاء شركته الذين ظلوا وراء خطوط العدو، وبقوا يقدمون له مواقع قوات العدو وتحركاته في الوقت الفعلي عبر تليغرام”.
تحديد الهوية
ومثل يوري، ساعدت أوكسانا أيضا في جمع المعلومات، قائلة لميديابارت “كنت غاضبة لعدم تمكني من مساعدة بلدي، لذلك بدأت أدون مواقع القوات الروسية المتمركزة قرب المنزل على نظام تحديد المواقع العالمي، مع الإشارة إلى تحركات المركبات المدرعة، لم أكن أعتقد أن ذلك يمكن أن يكون خطيرا”.
وفي مقابلة نُشرت الثلاثاء الماضي في صحيفة لوموند، أشاد ميخالو فيدوروف، وزير التحول الرقمي الأوكراني، بتطبيق Diia، الذي يجمع وثائق الهوية لمستخدمه، موضحا أن به 17 مليون مشترك، و”يتم استخدامه الآن لتحديد الهوية عبر خدمة على الإنترنت، مما يجعل من الممكن تحديد الموقع الجغرافي للقوات الروسية”.
وفي الثامن من مارس، أقرت أجهزة المخابرات الأوكرانية بأن المعلومات المقدمة من خلال تليغرام مكنتها من مهاجمة المركبات الروسية بنجاح في محيط كييف، وقالت في تغريدة موجهة للمواطنين “رسائلكم حول تحركات العدو عبر برنامج الدردشة الرسمي تجلب نصرا جديدا كل يوم”.
إضعاف قوة الهجوم
بينما تؤكد صحيفة “واشنطن بوست” Washington Post إن “روسيا تعرضت للعراقيل بسبب الافتقار إلى مراقبين حلفاء على الأرض، كما كتب الباحثان الأميركيان في “سمول وورز جورنال” أن “الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي غيرت الحرب، مما أدى إلى إضعاف قوة الهجوم الأكثر جرأة”.
وأشار الكاتب إلى أن كل هذا الدور الذي يسند للهواتف المحمولة يجب أخذه بقدر من التحفظ، لأن هذه الأجهزة ليست هي المسؤول الوحيد عن الهزائم الروسية، فهناك أيضا المقاومة الشرسة للأوكرانيين، وتعاون الولايات المتحدة التي تقدم المعلومات الرئيسية للجيش الأوكراني، إذ تفاخر جنرال أميركي بما تقدمه بلاده من معلومات استخباراتية دقيقة وقابلة للتنفيذ في الوقت المناسب، وتحدثت وزارة الدفاع (البنتاغون) عن “تبادل المعلومات الرائد” مع أوكرانيا.