تاريخ ومزارات

بدأت بـ “مأدبة طعام”.. قصة مذبحة الجمالية في عهد المستنصر بالله الفاطمي

أسماء صبحي
 
حدث فى عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي في مصر أن وقعت العديد من الأحداث الجسام من أشهرها الشدة المستنصرية، وهي من اسوأ المجاعات التي اجتاحت مصر عبر عصورها المختلفة و استمرت لمدة سبع سنوات، فقد تصحرت الأرض، وهلك الحرث والنسل، وأكل الناس الميتة، وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها، وتبعها الطاعون الذي أتى علي ثلث سكان مصر.
 

صراعات الجنود

حدث بعد ذلك، صراعات الجنود المغاربة والأتراك والسود والمرتزقة، الذين عاثوا في الأرض فساداً و احترفوا السلب و النهب، وأشاعوا الفوضي في أرجاء البلاد، وكانت شوكتهم قد قويت حتي أن الخليفة نفسه لم يعد قادراً عليهم.
 
ولم يكن أمام الخليفة المستنصر بالله للخروج من هذه الأزمة العاتية سوى الاستعانة بقوة عسكرية قادرة على فرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الفتن وثورات الجند، وإنهاء حالة الفوضى التي عمت البلاد، فاتصل ببدر الجمالي والي “عكا”، وطلب منه القدوم لإصلاح حال البلاد، فأجابه إلى ذلك، واشترط عليه أن لا يأتي إلا ومعه رجاله، فوافق الخليفة على شرطه.
 
لبي بدر الجمالي نداء المستنصر، و دخل القاهرة سراً عام 1074 م / 466 هـ ومعه جنده من الأرمن، ونزل هو في أحد البيوت في حارة يرجوان بجوار مسجد الحاكم بأمر الله في الجمالية، ونزل جنوده في أنحاء متفرقة من القليوبية، ثم تسللوا في مجموعات صغيرة إلى داخل القاهرة حتي لا يشعر بهم أحد.
 

مأدبة طعام

بدأ بدر الجمالي يعد خطة للقضاء علي رؤوس الفساد في البلاد، فأرسل إليهم مندوبين عنه برسائل فيها كثير من التظاهر بالود والتعاطف يدعوهم فيها إلي مساعدته في القضاء علي ما في البلاد من فساد و نهب و سلب،
ثم دعاهم لمأدبة كبيرة في الجمالية لتدعيم أواصر المحبة و التعاون، ثم عهد إلي كل قائد من قواده بقتل أحد أمراء الجنود من رؤوس الفساد من المغاربة والأتراك والمرتزقة.
 
قضي الأمراء الليل في غاية المرح و السرور، وشربوا من الخمور ما أدار رؤوسهم، وكلما استأذن احدهم لقضاء حاجته، ينقض عليه أحد قواد بدر الجمالي و يقتله ويقطع رأسه، حتى إذا أشرقت شمس اليوم التالي، كانت ساحة البيت قد تكدست بجثث أجساد الأمراء، أما الرؤوس فقد جمعها بدر الجمالي في جوال و حملها إلي الخليفة المستنصر وهو يزف له الخبر الذي طالما أراد أن يسمعه و هو أن القاهرة قد تطهرت من كل رؤوس الفساد في ليلة واحدة.
 
وقتل الجمالى من المصريين أعدادًا لا يحصيها إلا خالقها، إلا انه نجح فى اعادة السيطرة للحكومة، وأعاد سلطة القانون للبلاد، وعاونه فى إنجاز هذه الأهداف ابنه “الأمير الأفضل” الذى كان رجلاً عسكرياً مثل أبيه، فأنعم الخليفة عليه بوزارة مصر، وسمي منذ ذلك الحين بالسيد الأجل، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الإمام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة أمير المؤمنين أبو النجم بدر المستنصري.
 

نجاح أمير الجيوش

ويقول المؤرخون إن المصريين والخليفة “المستنصر” فرحوا أيما فرح بنجاح أمير الجيوش فى تحقيق مهمته، وأدخل “الجمالى” العديد من الإصلاحات فى الجهاز الإدارى للدولة، وأعاد تقسيم البلاد إلى مجموعة من الولايات (المحافظات بالمصطلح الحديث) شملت قوص والشرقية والغربية والإسكندرية، بالإضافة إلى القاهرة والفسطاط، وهو الأمر الذى ساعد أمير الجيوش على إحكام سيطرته على البلاد من ناحية، وأدى إلى ضبط الأوضاع العامة.
 
وعاش أمير الجيوش ثمانين عاماً، وشيئاً فشيئاً أخذ فى الانسحاب والاختفاء من المشهد بسبب المرض وكبر العمر، خصوصاً بعد إصابته بمرض الفالج (الشلل) ليتولى الأمر من بعده ولده “الأفضل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى