احتفالية «أربعاء أيوب» والخرافة الشعبية
كتب- حاتم عبد الهادي السيد
دأب بدو سيناء قديما على الذهاب للبحر تبركا; وتلك عادة توارثوها عن أجدادهم منذ اقدم العصور، وليس البحر ـ فحسب ـ هو مصدر الاعتقاد لدى سكان سيناء، فقد كانوا يعتقدون بالأحجار والأشجار والأولياء الصالحين والمفسدين على السواء، لذا ليس غريبا أن نشاهد البدو في مواسم الحج يرجمون الأولياء المفسدين، وتحديدا في «وادي الأبيض» على بعد عشرة أميال من «خرائب العوجاء» على درب غزة، وكانوا يرجمونهم تشاؤما تارة، واعتقادا منهم بأن ذلك يدفع الأرواح الشريرة عنهم، كما كانوا يتبركون بزيارة القبور ويقومون بتقديم الذبائح من ماعز وابل وأغنام، ويبنون فوق هذه القبور قبابا وأضرحة ومقامات، شفاعة لميت من جانب، ومن جانب آخر وفاء لنذر، أو تمنيا لقضاء حاجة، أو شفاء مريض، أو زكاة عن انفسهم وراحة لأجسادهم وأبنائهم وأحفادهم.
أما مسألة التبرك بالبحر فكانوا يذهبون إليه، ويذبحون عنده الدبائح، ويعقدون خيامهم وخيولهم وابلهم وأغنامهم، ويذهبون إليه في أوقات معينة من السنة، فيقومون بنحر الذبائح ثم يقومون بأخذ جلودها ورؤسها وارجلها فيقذفونها في البحر قائلين: «هذا عشاك يا بحر» ـ أو هادا ـ ثم يقومون بطبخ باقي اللحم فيأكلون منه، ويطعمون المارة. وتلك عادة تقام كل عام وتحديدا يوم الثلاثاء قبل عيد «شم النسيم» ويسمى هذا اليوم «أربعاء أيوب».
وقد أشيع خطأ أن سيدنا «أيوب عليه السلام» قد أقام في سيناء عند شاطئ البحر المتوسط واغتسل يوم «أربعاء أيوب» فبرئ من مرضه، وهي رواية تدحضها الآية القرآنية في قوله تعالى: «هذا مغتسل بارد وشراب» فكيف يكون البحر المالح فراتا يستساغ شربه؟! والحقيقة أن السكان هناك يذهبون اعتقادا منهم بأن هذا اليوم فيه شفاء، وبعضهم قد يشفى بالفعل، وذلك يرجع علميا ونفسيا إلى صفاء النفس وإخلاص النية لله تعالى. فهم لا يعتقدون بأن البحر هو الشافي، وإنما «الله عز وجل» ـ وما البحر غير سبب للتقرب من الله تعالى، وفي هذا اليوم يقوم الرجال والنساء بالنزول للاستحمام، فينزل الرجال من الصباح وحتى قرب العصر، وتقوم النساء بعد العصر بالنزول بثيابهن حتى غروب الشمس، أو بعده بقليل. وهم يفعلون ذلك أما لشفاء من مرض عضال. وأما للتقرب من الله تعالى والدعاء لشفاء النساء من العقم حتى يتم الحمل وانجاب الأطفال.
وكانوا يحتفلون بهذا اليوم احتفالا خاصا فيقيمون الزينات ويتسابقون على الخيل والهجن. وتستمر الاحتفالات لمدة ثلاثة أيام، أما الآن فيذهب البدو والحضر بعد صلاة الظهر فيذبحون الذبائح تقربا لله. ثم لا يرمون جلودها ولا ارجلها أو أي شيء من ذلك، بل توزع للفقراء. وليس البحر ـ كما اسلفنا ـ هو المعتقد الشعبي. وإنما يفعلون ذلك مع الشجر فيزورنه تبركا،
ومن الطرائف أن البدو ـ قديما ـ اعتقدوا بأن الأرواح تجتمع في «بير القدس» . كما يقول «نعوم شقير» في كتابه «تاريخ سيناء» . فتذهب الأرواح الصالحة إلى الجنة، والشريرة للنار. ويحكي أن احدى البدويات فجعت في احد أبنائها فقالوا لها: أن روحه موجودة في البئر، فذهبت ووقفت عند حافة البئر. ونادت ابنها باسمه، فأجابها الصدى فلما سمعت الصوت ظنت أن ابنها يجيبها فألقت بنفسها في البئر وماتت.
اذا ما ذكر عن سيدنا «أيوب»، وانه جاء إلى منطقة «البني ياسر» بالعريش. وشفي عند نزوله البحر بالطبع غير صحيح، وما ذهاب البدو ألا عادة واعتقاد بكرامات ذلك اليوم. وما البحر ألا وسيلة للشفاء النفسي..