د. محمد رجب فضل الله يكتب..

تساؤلات الأطفال وإجابات الكبار
هل تعلم أننا نعيش ربع حياتنا تقريباً أطفال؟ وأن لهذه المرحلة الأساسية آثاراً واضحة في سلوكنا، وصفاتنا الشخصية التي نعيش بها بقية أعمارنا؟
عشنا في طفولتنا نبحث عن الحقيقة، لا نسيء ، ولا نجرح، ولا نميز بين ما يقبله المجتمع أو يرفضه. كنا نريد أن نعرف كيف نعرف؟ ومن أين نحصل على المعلومات؟ وكثيراً ما كانت إجابات الآخرين غير مقنعة لنا.
كنا نختار من نسأله من كبارنا.. نختار الأقرب إلى نفوسنا، ومن نطمئن إليه.. وبعد أن نحصل على الإجابة.. نقبلها ونفرح، أو نرفضها ونسكت.. كثيراً ما خشينا مصارحة الكبار برفضنا لإجاباتهم.
هنا تكمن الخطورة: عندما يتردد الطفل بين سؤاله عما يجهل، أو التزامه بالصمت، أو الاستعانة بأقرانه من الأطفال؛ ليحصل على إجابات، ومع كل مظهر من مظاهر النمو ينمو سؤال، فمع النمو الجسمي يكون السؤال عن شكل الجسم وأجسام الآخرين، ومع النمو العقلي يتساءل عن كل التغيرات المحيطة به، ويزداد ذلك مع النمو الحركي والاجتماعي، ويزيد حب الاستطلاع لدى الطفل فيسأل ليستوضح ما يثير قلقه ، فهو علامة استفهام دائمة.
ومع تقدمه في السن تنمو أسئلته؛ لتنتقل إلى توجيه أسئلة تبدأ بماذا ؟ ولماذا؟، وكيف ، ولو حدث …. هل يحدث …. ، تتطور أسئلته – تدريجياً – لحل الواضح من المتناقضات في المواقف التي يمر بها.
ومع النمو الفكري للأطفال؛ يبدأ تفكيرهم في الكون، وتكثُر تساؤلاتهم عن النجوم والشمس، والقمر والبحار والأشجار والمخلوقات.
تساؤلات الأطفال حول الكون تعكس بداية القدرة على التمييز ، وحينها يجب على الكبار تعريف الأطفال بالمفاهيم الحقيقية للأشياء حتى تنطبع في أذهانهم ، وعدم الكذب عليهم، أو اختلاق أسماء وهمية.
وإجابات الكبار إذا كانت وهمية أو غير حقيقية فإن مردودها يكون سيئاً على عقول الأطفال، وعلى نفسياتهم وشخصياتهم.
إن تهرب الكبار في إجاباتهم عن تساؤلات الأطفال، تفقد الصغار الثقة فيمن يسألونهم من الكبار ؛ إنهم ( الأطفال ) – ومن وجهة نظرهم – لابد من الإجابة عن كل تساؤلاتهم ، وينبغي أن تكون الإجابات مقنعة لهم، ومناسبة لعقليتهم.
إننا – التربويين – نؤمن بأن الأسرة هي الوسيط الأول للتعليم، وأنها البيئة الثرية للتعلم، عليها أن تحترم تساؤلات الأطفال ، وتقدر – عند الإجابة عنها – عقولهم، ومنطقهم .
الأسرة هي التي يجب عليها ( أولاً ) السعي لإكساب أطفالها طرق التفكير المنظم، و المنطقية في التفكير، وذلك عندما تربط تربط الأشياء بمسبباتها، أو عندما تسعى إلى إقناع الأطفال بوجهات النظر المخالفة، ليس تحت ضغط التهديد ، ولكن بالحوار المباشر الصريح.
تساؤلات الأطفال تكشف عن اهتماماتهم، ومستويات ذكائهم، وقدرتهم على التفكير ، وتكشف عن حبهم للاستطلاع والاستكشاف، وعن شغفهم بالمجهول واستجلاء الغموض.
تساؤلات الأطفال تساعدهم على تنمية معارفهم المختلفة فيما يتعلق بالناس والأشياء والعلاقات، ومن ثم ينبغي أن يكون الاهتمام بتساؤلات الأطفال مدخلاً ملائماً لإثرائهم معرفياً.
إجابات الكبار، وخاصة الوالدين، لها أهمية كبيرة من حيث النمو المعرفي ، والاتزان الانفعالي ونمو الشخصية، ومن المؤسف – أيضاً – أن يتجاهل الوالدان تساؤلات أطفالهم أو يردون عليها بعنف أو يجيبون عنها إجابات غير سليمة ، أو يكون في إجاباتهم شيء من التورية، وخصوصا عندما تتصل هذه التساؤلات بأمور ترتبط بالجنس ، إن تجاهل الوالدين للتساؤلات المحرجة للأطفال؛ يثير لديهم الغضب والقلق.
وكثيراً ما يطرح أطفالنا تساؤلات دينية، تتعلق بالعقيدة: يسألون عن الله والملائكة والجنة والنار والرسل ويوم القيامة، وعن صفات الله سبحانه وتعالى، ويسألون عن الرسل رضي الله عنهم أجمعين. وعن أداء العبادات، ولماذا نؤديها؟ ولماذا بهذه الكيفية؟ وفي هذه الأماكن والأوقات، ويتساءلون عن النبي والصحابة وماذا فعلوا ؟ ولماذا قام النبي بفعل كذا ؟.
إن أطفالنا وفي سنوات حياتهم الأولى ، وغالباً قبل سن الروضة ، تستيقظ فطرتهم ؛ فيبحثون لها عن إجابات الكبار المقنعة بالنسبة لهم، وعلى الكبار ألا ينزعجوا من تساؤلات أطفالهم عن حقيقية الألوهية، وحقيقة الخلق .
فيتساءلون: السماء مدورة … لماذا ؟ السماء زرقاء .. لماذا ؟ الشمس أكبر من القمر .. لماذا؟ أين آخر الأرض ؟ ما الذي يحمل الأرض ؟ وما الذي يحمل السماء ؟ أو يتساءلون : كيف جئنا إلى الوجود ؟ وتساؤلات أخرى ليس لها إلا إجابة واحدة ” الله هو الذي خلقها … هو الذي جعلها هكذا.
والأطفال يتساءلون بالفطرة ، دون أن يوجههم أحد ، أو يلفت أنظارهم إلى الاستفسار؛ فقد تكفل الخالق -سبحانه وتعالى- و هو يأخذ على الفطرة ميثاقها ، أن يوقظها ، ويوجهها؛ لتبحث عنه ( سبحانه وتعالى )، وتهتدي إليه ( جل جلاله )، ومن وسائل هذا البحث ، وسبل هذا الاهتداء التساؤلات ، ولقد حوى القرآن الكريم بعض الآيات القرآنية التي حملت في ثناياها الدعوة إلى التساؤل .
وتختلف تساؤلات الأطفال باختلاف المرحلة العمرية التي يعيشونها، ووفقا لمتطلبات النمو وحاجاته، كما تختلف التساؤلات من طفل إلى آخر، تبعا لنمط شخصيته، أو بيئته وثقافته، والإجابات الصحيحة عن هذه التساؤلات أمر واجب .
والخلاصة؛ إن تساؤلات الأطفال لها أهمية في تنمية معلوماتهم عن مجتمعهم ، وعاداته ، وتقاليده ، ولها دور فعال في عملية التطبيع الاجتماعي لهم ، وتنمية القدرة على الاستمتاع ، والتفاعل الاجتماعي مع والديهم ، وإكسابهم المكونات الأساسية للحياة الاجتماعية ، والأدوار الاجتماعية ، وتلبية حاجاتهم ،وتشبع رغباتهم التي يسعون إلى إشباعها ، وكذلك تنمي تفكيرهم ، وتدفعهم إلى الاستكشاف والاستطلاع.
دعوا أطفالكم يتساءلون ، شجعوهم على التساؤل، وفروا لهم بيئة آمنة مطمئنة مرحبة للمزيد من التساؤلات ، لا تتغافلوا عن تساؤلاتهم، احرصوا على الإجابات الصحيحة المناسبة عنها، اقرنوا الإجابات بحكايات ومشاهدات تنمي معارفهم وعقولهم ، وترتقي بنفسياتهم وشخصياتهم.