تاريخ ومزارات

جامع طينال في طرابلس: تحفة معمارية تجمع عبق التاريخ بين الرومان والبيزنطيين والمماليك

نتشر في أحياء طرابلس القديمة سلسلة من المساجد الفخمة، ويعتبر جامع طينال من أبرزها، مزدانًا بزخارف تضاهي جمال مساجد القاهرة المملوكية، ويقع الجامع في الجهة الجنوبية للمدينة في محلة باب الرمل، ويتميز بقببه الأربع المختلفة الحجم، ومئذنته الفريدة التي تلفت الأنظار.

يشير سجل مدخل الجامع إلى أنه بني سنة 736 هجرية، أي 1377 ميلادية، على أنقاض كنيسة صليبية دمرت بعد فتح طرابلس بقيادة السلطان المملوكي المنصور قلاوون، وتولى الأمير المملوكي سيف الدين طينال تحويلها إلى جامع حمل اسمه، بعد أن ظلت الأرض مهجورة لفترة طويلة، وفق ما يذكر الدكتور عمر تدمري في كتابه “مساجد ومدارس طرابلس”.

ويرجح الباحث حسان سركيس أن الجامع شيد على موقع معبد زيوس الروماني، حيث بقيت الأعمدة وقواعدها وتيجانها في مكانها عند البناء، وتشير ملاحظات الآثار إلى أن بعض الأعمدة استُقدمت من البحر، وما زالت آثار الملوحة وأصداف البحر على سطحها دليلًا على ذلك، ويظهر نمط استخدام الأعمدة في العديد من المباني الأثرية على طول الساحل اللبناني، في الكنائس والمساجد والقلاع.

المزيج المعماري لجامع طينال في طرابلس

يعكس جامع طينال مزيجًا معقدًا من الحقبات الحضارية؛ القواعد الرومانية، وتيجان الأعمدة البيزنطية المنحوتة على الطراز الكورنثي، بينما يظهر الطابع المملوكي في العقود والقبب المبنية بالحجارة الرملية.

أقسام الجامع

يمتلك الجامع بابًا شرقيًا يؤدي إلى باحة مستطيلة، ينتصب عند طرفيه عمودان من الغرانيت، ويوجد بركة مربعة للوضوء على أرض مرتفعة قليلاً تحيط الباحة أربع قناطر بأربع قاعات في الجهة الغربية، بينما توجد غرفة صغيرة على اليمين كانت ربما مخصصة لحرس الجامع.

جنوب الباحة ترتكز قنطرة مربعة على واجهة الجامع الشمالية، وأسفلها بوابة بيت الصلاة الأولى المزخرفة بالحجارة البيضاء والسوداء، ويعد الباب الداخلي تحفة هندسية بحد ذاته، بمساحة مستطيلة، صفوف الحجارة البلقاء، والعقد المتعاشق، والزخارف الهندسية والكتابات التاريخية، التي تضمنت عبارة: “من بنى أبدله الله قصراً في الجنة”.

الحرم الجنوبي

يضم الحرم الجنوبي للمحراب والمنبر من تسعة أساطين، وقبّة أصغر فوق الأسطوان الأوسط، مزينة بالمقرنصات المجوّفة، وأرضية من الفسيفساء الملونة، كما توجد بركتان زخرفيتان لتصريف المياه، وسدّة خشبية مزخرفة ترفع إلى مستوى أعلى عبر سلم خشبي.

المئذنة والمدرسة

تتميز مئذنة الجامع بطابع معماري فريد، مربع في الأسفل، مع شرفة مستديرة تشبه الأبراج الحربية، ونوافذ متعددة، وغطاء سداسي الأضلاع ينتهي بقبة صغيرة عليها الهلال، ويرتبط بالجامع مدرسة لتدريس المذاهب الأربعة، حيث درّس فيها عالم الفلك والنجوم ابن حجر العسقلاني.

جامع طينال ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو شاهد حي على تاريخ طرابلس العريق، يجمع بين آثار الرومان، وبيزنطية العمارة، وروعة العمارة المملوكية، ويظل تحفة فنية ومعمارية تروي قصة المدينة على مدى قرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى