تاريخ ومزارات

ابن أبي أصيبعة: الطبيب العبقري الذي أسس لعلوم الطب في العصور الأيوبية

موفق الدين أبو العباس أحمد بن سديد الدين القاسم بن خليفة، الشهير بابن أبي أصيبعة، هو أحد أعلام الطب في العصور الوسطى ومن أعظم الأطباء الذين أنجبتهم الدولة الأيوبية. وُلد ابن أبي أصيبعة في دمشق في بيئة علمية نابضة، حيث انتمى إلى عائلة عُرفت بالطب وارتبطت بخدمة صلاح الدين الأيوبي وأبنائه.

نشأ ابن أبي أصيبعة في كنف أسرة اهتمت بالعلوم الطبية، وبرز كأحد أقطابها الذين استحوذوا على اهتمام كبير، حيث عُرف في شبابه بأبي العباس قبل أن يُعرف لاحقاً باسم جده أبي أصيبعة. درس الطب في دمشق والقاهرة، حيث تلقى العلوم النظرية وعمل على تطبيقها عملياً، وبدأ مشواره في البيمارستان النوري بدمشق، حيث تلقى علوم النباتات الطبية من أستاذه العالم النباتي ابن البيطار، مؤلف كتاب جامع المفردات، وهو ما شكّل قاعدة قوية لمعرفته بالعلاج باستخدام الأعشاب.

وبالإضافة إلى البيمارستان النوري، تردد على البيمارستان الناصري بالقاهرة، حيث اكتسب خبرات كبيرة في علاج أمراض العيون من خلال دروس السديد بن أبي البيان، الطبيب المختص بالكحالة، الذي أهداه أصول الطب في مجال الأدوية والجرعات، إذ كان يشتمل على كتاب الأقراباذين المعروف باسم الدستور البيمارستاني.

لم تقتصر علوم ابن أبي أصيبعة على الطب، بل حرص على دراسة العلوم اللسانية على يد علماء عصره، ممن كانوا أصدقاء والده وعمه، ولكن بعد اكتساب الأساسيات اتجه إلى العلوم الطبية بتركيز كامل. واستكمل معارفه من والده وعمه، حتى قرر التوجه إلى القاهرة والتحق هناك بالبيمارستان الناصري الذي أسسه صلاح الدين الأيوبي. اجتهد ابن أبي أصيبعة في الدراسة العملية والمعالجة، وذاع صيته بفضل معرفته الكبيرة ورعايته المتفانية للمرضى.

وبفضل مهاراته الطبية الكبيرة، لفت ابن أبي أصيبعة انتباه السلطان، ما جعله ضمن طاقم الدولة الرسمي للعلاج، وبلغت شهرته عز الدين صاحب صرخد (المعروفة الآن بصلخد في جبل العرب بسوريا)، فدعاه للحضور إلى حوران في بلاد الشام. وهناك، قضى سنواته الأخيرة حتى وافته المنية تاركاً خلفه إرثاً طبياً غنياً لا يزال يذكره العالم إلى يومنا هذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى