تاريخ ومزارات

جامع السنانية بدمشق.. تحفة سنان باشا المعمارية وشاهد على ازدهار العمران العثماني

يعد جامع السنانية واحدًا من أبرز المعالم التاريخية خارج أسوار مدينة دمشق القديمة، إذ يقع مقابل باب الجابية وبالقرب من سوق باب سريجة، الذي يتصل بأسواق دمشق الأشهر مثل الحميدية والدرويشية والحريقة وفخري البارودي، شكل هذا الموقع الحيوي مركزًا تجاريًا ومعماريًا متكاملاً في قلب النشاط الدمشقي منذ أكثر من أربعة قرون.

بداية التشييد

تروي المصادر التاريخية أن بداية عمارة الجامع كانت في أوائل سنة 995هـ (1586م)، حين شرع محمد باشا في بنائه بحضور عدد من العلماء والمؤذنين، وتولى الإشراف على العمل الأمير محمد بن منجك، وبعد أربع سنوات، اكتملت عمارة الجامع سنة 999هـ (1590م) على يد محمد باشا بن سنان باشا والي الشام، في عهد السلطان العثماني مراد الثالث، وقد وصف المؤرخون الجامع بأنه من أجمل مساجد الشام ومحاسنها المعمارية في ذلك العصر.

من هو سنان باشا؟

كان سنان باشا من كبار رجال الدولة العثمانية، تولى الوزارة العظمى خمس مرات، وعرف بأصله الألباني، شغل مناصب مهمة مثل والي حلب ومصر ودمشق، وخاض حروبًا ضد المجر، كما فتح اليمن وضمها للدولة العثمانية، ولذلك لقب بـ فاتح اليمن،  عاش حتى التسعين من عمره، وكان يُعرف بلقب قوجه أي الكبير، اختلف المؤرخون في تقييمه، فبينما وصفه عبد العزيز العظمة بأنه متكبر وظالم، اعتبره نجم الدين الغزي من أهل الخير والمبرات، مشيرًا إلى أنه شيد أكثر من أربعين مسجدًا جامعًا في أنحاء الدولة، إلى جانب الجسور والخانات والمدارس.

من مسجد رحبة البصل إلى جامع السنانية

أوضح عبد القادر بن بدران أن موضع جامع السنانية كان سابقًا مسجدًا قديمًا يُعرف بمسجد رحبة البصل، يقع قرب سوق كان يُباع فيه البصل والثوم القادم من منطقة الكسوة، وقد جدده سنان باشا وجعله جامعًا عظيمًا.

يؤكد المؤرخون أن رحبة البصل كانت قائمة منذ العصر المملوكي، وكان المسجد فيها معروفًا ببابين شرقي وغربي، بجواره قناة وقيسارية وسقاية، مما يدل على أنه كان مركزًا نشطًا منذ قرون قبل تجديده العثماني.

أما عملية الإعمار، فقد باشرها الأمير محمد بن منجك، وتمت في أواخر القرن العاشر الهجري، وخطب فيه الشيخ فخر الدين السيوفي بعد اكتمال البناء، وكان الموقع آنذاك خارج أسوار دمشق القديمة، ضمن منطقة سكنية نشطة تضم ساحات وأسواقًا مثل ساحة القمح قرب باب الجابية.

باب الجابية.. شريان دمشق التجاري

كانت منطقة باب الجابية طريقًا رئيسيًا يصل قلعة دمشق بـ بوابة الله (بوابة مصر)، ومع مرور الوقت تحولت إلى محور رئيسي يربط المدينة القديمة بالأحياء الحديثة، وخلال العصرين المملوكي والعثماني، شهدت المنطقة تنافسًا بين الولاة على إنشاء المساجد والمدارس والخانات، مثل جامع السنجقدار، جامع الدرويشية، جامع السياس، والمدرسة الصابونية، مما جعل هذا الممر الممتد بطول يقارب 2000 متر من أغنى شرايين دمشق عمرانًا وروحًا.

فن العمارة في جامع السنانية

يتخذ الجامع شكلاً مستطيلاً، بني بالحجارة الأبلقية (البيضاء والسوداء) التي تميز العمارة الدمشقية، وتزين واجهته جبهة حجرية ضخمة تحتوي على أربع نوافذ حجرية كبيرة مزخرفة بالقاشاني، تتناظر على الجانبين بشكل هندسي متناغم، أما البوابة الرئيسية فهي مرتفعة وفخمة، غائرة عن الواجهة بنحو متر ونصف، وتعلوها لوحات رخامية مزهّرة بزخارف هندسية وزهور، إلى جانب كتابة باللغتين العربية والفرنسية:

جامع السنانية – بناه والي دمشق سنان باشا سنة 998هـ / 1590م

وقد تعرض الجامع لأضرار كبيرة إثر القصف الفرنسي عام 1925، حيث احترق بابه الخشبي القديم قبل أن يُعاد تجديده لاحقًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى