تاريخ ومزارات

زقورة أور: معجزة معمارية من حضارة السومريين

أسماء صبحي 

تعد زقورة أور واحدة من أعظم التحف المعمارية التي خلفتها حضارة السومريين في العراق. وتقع الزقورة في مدينة أور القديمة، على بعد حوالي 15 كيلومترًا من مدينة الناصرية جنوب العراق. وبنيت خلال القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد في عهد الملك أور نامو، مؤسس سلالة أور الثالثة. كما تعتبر مركزًا دينيًا وسياسيًا رئيسيًا للحضارة السومرية التي تعد من أقدم الحضارات الإنسانية.

تاريخ زقورة أور

كانت أور عاصمة للسومريين في عصرها الذهبي. وقد تم بناء الزقورة كجزء من مجمع ديني كبير مخصص للإله “نانا”، إله القمر في الميثولوجيا السومرية. ووفقًا للنصوص التاريخية المكتشفة، كان بناء الزقورة رمزًا لتكريم الإله نانا، حيث اعتبر السومريون أن التقرب من آلهتهم يتطلب أماكن مرتفعة مثل الزقورات. كما استخدمت الزقورة كرمز للسلطة الروحية والسياسية، مما جعلها من أهم المنشآت في تلك الحقبة.

وتتميز الزقورة بتصميمها الهندسي الفريد الذي يبرز براعة السومريين في البناء. وتم تشييد الزقورة باستخدام الطوب الطيني المغلف بالطوب المحروق لتوفير الحماية من عوامل التعرية. كما تتكون من ثلاث طبقات رئيسية ذات تصميم مدرج، يعلوها معبد مخصص للكهنة. كانت تُستخدم سلالم حجرية كبيرة للصعود إلى قمة الزقورة حيث تُقام الطقوس الدينية.

ومن اللافت للنظر أن التصميم لم يكن مجرد بناء ضخم، بل راعى الجوانب العملية، مثل توفير قنوات لتصريف مياه الأمطار وحماية الأساسات من التآكل. كما يعتقد أن ارتفاع الزقورة الأصلي كان يصل إلى 30 مترًا، لكنها فقدت جزءًا من هيكلها على مر الزمن.

الأهمية الدينية والاجتماعية

كانت الزقورة تمثل مركزًا لعبادة الإله نانا، حيث كان الكهنة يشرفون على الطقوس الدينية التي تشمل تقديم القرابين والصلاة. كما كان الموقع مركزًا اجتماعيًا وثقافيًا للمجتمع السومري. حيث كانت تقام الاحتفالات الدينية وتُتخذ القرارات الهامة.

علاوة على دورها الديني، كانت الزقورة رمزًا للقوة السياسية والاقتصادية لحضارة أور. فقد كانت المدينة بموقعها الجغرافي المتميز مركزًا للتجارة مع حضارات أخرى. مثل وادي السند ومصر القديمة، ما جعل الزقورة علامة بارزة على ازدهار تلك الحقبة.

بعد انهيار الحضارة السومرية، تراجعت أهمية أور وزقورتها، لكنها ظلت معلمًا بارزًا في التاريخ. واكتشف الموقع لأول مرة في العصر الحديث على يد عالم الآثار البريطاني السير ليونارد وولي في عشرينيات القرن العشرين. كما أظهرت الحفريات الكثير من المعلومات عن الحياة في أور، مما ساعد العلماء على فهم تفاصيل الحضارة السومرية.

ويقول الدكتور علي الجبوري، أستاذ الآثار بجامعة بغداد، إن زقورة أور ليست مجرد نصب تذكاري، بل هي نافذة على حياة السومريين وفهمهم العميق للهندسة المعمارية والروحانية. كما إنها واحدة من أقدم الأمثلة على التفاعل بين الدين والسياسة في بناء المدن.

وأضاف الدكتور الجبوري: “إلى جانب قيمتها التاريخية، تعكس الزقورة قدرة السومريين على ابتكار أنظمة بناء متقدمة تضمن بقاءها رغم مرور آلاف السنين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى