طائر البا عند المصريين القدماء.. روح تحلق بين الحياة والموت

أميرة جادو
في معتقدات المصريين القدماء، لم يكن الموت نهاية، بل بداية لرحلة جديدة في عالم أبدي لا يفنى، ومن أبرز رموز تلك الرحلة كان طائر “البا”، الذي مثل المفتاح الروحي لفهم أسرار ما بعد الحياة، إذ يجسد الروح القادرة على الانفصال عن الجسد والعودة إليه، حاملة معها معنى البقاء والاتصال بالآلهة والخلود.
تجسيد الفلسفة المصرية القديمة
عبر المصري القديم عن رؤيته العميقة للحياة بعد الموت من خلال رموز مفعمة بالروحانيات، وكان طائر البا أحد أهمها. فقد صور الطائر برأس إنسان وجسد طائر، في إشارة إلى الثنائية التي آمن بها المصريون بين الجسد والروح.
والجدير بالإشارة أن مهمة البا كانت تمكين المتوفى من الانتقال بحرية بين عالمي الأحياء والموتى، حيث تحلق نهارًا في أرجاء الوجود وتعود ليلًا إلى الجسد الراقد في القبر.
وفي الطقوس الجنائزية، كانت تتلى تعاويذ “كتاب الموتى” لضمان عودة البا إلى المومياء كل مساء، ما يرمز إلى استمرار الحياة في العالم الآخر، واستعادة الروح لطاقتها الأبدية.
البا في مشاهد المقابر
كما يظهر طائر البا في الجداريات المصرية، خصوصًا في مقابر الدولة الحديثة، وهو يحط على صدر المومياء أو يرفرف فوقها في مشهد يرمز إلى الاتحاد بين الروح والجسد.
وقد عد هذا الاندماج خطوة أساسية لضمان البعث والخلود، إذ كان يعني اكتمال دورة الحياة واستعداد الروح للانتقال إلى “حقول السلام”؛ ذلك الفردوس الأبدي الذي يمثل الراحة والطمأنينة بعد رحلة الوجود.
فلسفة الخلود في روح طائر البا
لم يكن طائر البا مجرد زخرفة فنية أو رمز ديني سطحي، بل كان تعبيرًا عن عقيدة فلسفية عميقة في فكر المصري القديم، تقوم على الإيمان باستمرارية الروح وأن الموت ليس نهاية، بل بوابة لحياة أسمى وأنقى، ولقد جسد البا الإيمان المطلق بالخلود، حيث تتحرر الروح من الجسد لتبدأ رحلتها الأبدية نحو النور.
والجدير بالذكر أن طائر “البا” كان رمزًا يجمع بين المادي والروحي، إذ آمن المصري القديم أن بقاء الروح مرهون بقدرتها على العودة للجسد كل ليلةن ومن خلال الطقوس والتعاويذ، سعى لضمان هذا الاتحاد المقدس الذي يجعل من الموت استمرارًا للحياة، ومن الروح جناحًا يحلق نحو الأبدية.



