قلعة حماة من رمز حضاري إلى مركز صراع في قلب المدينة
عاشت سوريا منذ اندلاع الثورة منتصف مارس 2011 واحدة من أصعب المراحل في تاريخها، إذ امتد القصف ليطال كل ما هو حي وكل ما يحمل قيمة، من البشر إلى المنازل والمرافق العامة وحتى المواقع الأثرية التي تعرف بها البلاد مهد الحضارات، ولم تكن قلعة حماة بمنأى عن هذا المشهد، فالقلعة القديمة التي تقف بين حيي المدينة والمغيلة ظلت شاهدا على تحولات قاسية طالت آثار سوريا، ويرتبط تاريخ القلعة بفترات قديمة تعود لمئات السنين حين شيدها ابو الفداء الذي حملت المدينة اسمه كناية عنه، لتصبح واحدة من أبرز معالم حماة إلى جانب نواعيرها التي اشتهرت بها عبر الزمن.
تاريخ قلعة حماة
وفي هذا الصدد اكد ابو اسعد احد سكان حماة أن القلعة كانت موقعا جميلا يقصده الناس للاستراحة، لكن النظام حولها إلى نقطة عسكرية انعكست آثارها على حياة السكان، ويقع منزل ابو اسعد مقابل القلعة مباشرة، وهذا ما جعله عرضة لمضايقات مستمرة بسبب تمركز العناصر فوق أسوارها، حيث تتجه نيرانهم نحو نوافذ المنزل وتحطم زجاجه دون سبب.
وتحدث ابو سعد عن حادثة أصابت طفله البالغ خمسة اعوام برصاصة قناص عندما خرج إلى شرفة المنزل ليأخذ لعبته الصغيرة، ليبدأ بعدها فصل طويل من الحذر داخل المنزل الذي صار اشبه بسجن، واغلق افراد عائلته النوافذ بشكل دائم بسبب القناصين الذين يراقبون البيوت ويتلصصون على النساء باستخدام المناظير، كما اكد عدم قدرتهم على مغادرة المنزل بعد الساعة الرابعة مساء بسبب الاستهداف المتواصل لأي ضوء او حركة.
وتنتشر قوات النظام في محيط القلعة عبر حاجز رئيسي يثبت وجودها، وقد شهدت المنطقة تعزيزات ضخمة منذ اقتحام قوات النظام للمدينة في سبتمبر 2011 حين جرى تحويل القلعة إلى ثكنة عسكرية كاملة تضم دبابات وعناصر ومدافع هاون، إضافة إلى عشرات الحواجز التي وضعت في المحيط المباشر.
واوضح الناشط الاعلامي ابو حازم أن اختيار النظام لهذا الموقع يعود لأهميته الاستراتيجية، فالقلعة تقع في قلب حماة تقريبا وتطل على مختلف احيائها، مما يمنح القوات داخلها قدرة كبيرة على مراقبة الشوارع والقنص والقصف المدفعي، وذكر حادثة جرت قبل ستة اشهر في حي طريق حلب عندما تعرض الحي لقصف عنيف من دبابات القلعة عقب دخول الجيش الحر إليه، وهو ما خلف دمارا كبيرا في المنازل والمحال.
وتتعرض عدة احياء في حماة لاستهداف يومي من قناصة القلعة، خاصة باب قبلي والشير والمغيلة التي فقدت عشرات الشبان والاطفال نتيجة وجود القناصين الذين يشرفون على شوارعها، وزادت معاناة السكان بعد منعهم من الاقتراب من محيط القلعة او التنزه في ساحاتها التي كانت فيما مضى مكانا محبوبا لأهالي المدينة.
وتحدث الناشط الميداني مأمون عن تحول ساحة القلعة إلى مكان يتجمع فيه الجنود ليلا، حيث رصد الناشطون سيارات عسكرية تقل عناصر برفقة نساء في ساعات متأخرة، في مشهد يعكس طبيعة السيطرة التي فرضها النظام على المنطقة، واكد مأمون أن السلطات ضخت قوات كبيرة في القلعة تحسبا لأي محاولة من الجيش الحر للتقدم نحو المدينة.
وهكذا تحولت قلعة حماة من رمز تاريخي ومتنزه لأبناء المدينة إلى نقطة توتر عسكري اثرت على حياة السكان وغيرت ملامح واحدة من اقدم المواقع السورية التي حملت عبر القرون قيمة حضارية كبيرة.



